هل كانت الولايات المتحدة لتعتمد الخيار النووي دفاعياً أو استباقياً في حال قرر أحد خصميها (الصين/ روسيا/ أحد وكلائهما) اللجوء لمثله في أي من الملفات الاستراتيجية الحرجة امتثالاً لتعهدات أمنية قد قطعت لبعض حلفائها (الناتو/ جنوب شرق آسيا/ الشرق الأوسط)، أم أن الواقع قد فرض على واشنطن إعادة تقييم مثل تلك التعهدات أو التنصل منها في حال مثّل تهديداً مباشراً لأمنها القومي، أو هل حتّم ذلك إعادة تقييم لمفهوم أمنها القومي؟

اما الفرضية الأخرى، فهي: واقع ارتهان الأمن القومي الاستراتيجي، بما في ذلك الردع النووي عندما يقع قرار توظيف ذلك من عدمه خارج إطار الإرادة الوطنية لأي دولة، وكذلك توفير الضمانات الأمنية في الصراعات غير المتكافئة عسكرياً. مما سيحتم خروج العديد من الدول من عباءة الحد من انتشار السلاح النووي، وذلك سيكون السمة المستقبلية لمفهوم الأمن القومي لدي العديد من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة، خصوصاً على ضوء التطورات الناجمة عن الأزمة الأوكرانية.

فالكثير من القراءات يرجح انتفاء وقوع مثلها لو احتفظت أوكرانيا بقدرة الردع النووي. ما تقدم يمثل أكبر التحديات الماثلة أمام مستقبل الأمن الدولي، ولن يعد ممكناً تحاشي نقاش كافة الفرضيات من منطلق واقع ما نمر به من أزمات، وكذلك فجاجة ما يوظف من أدوات، وصولاً للتجويع الجماعي أو التعطيل الكيفي للاقتصاد الدولي. فهذا الانعتاق غير المسبوق من كافة ضوابط المنطق أو العقلانية الاستراتيجية في إدارة التزاحم الخشن، هو بمثابة إنذار للعديد من الدول ذات الاقتصادات الصاعدة لمراجعة مفاهيم وضمانات أمنها الاستراتيجي، بما في ذلك خيارات الردع النووي.

الحد من انتشار السلاح النووي في المحيطين الهادئ والهندي بات فرضية سريعة التلاشي، حيازة أستراليا لغواصات تعمل بالدفع النووي، تطوير كوريا الجنوبية لغواصات هجومية تعمل بطاقة الدفع النووي، امتلاك الهند لمنظومة ردع نووي بري، بحري وجوي، امتلاك باكستان لقوة ردع نووي بري، إيران ذات قدرة نووية مؤجلة.

والمؤشرات تتصاعد وقبول الأقطاب الكبرى المتزاحمة والتعايش مع مثل ذلك الواقع انطلاقاً من منظور إدارة التوازن الاستراتيجي. إلا أن مثل ذلك قد يُعد مدخلاً لمفهومٍ جديد في الأمن القومي/الإقليمي/ والاستراتيجي المتكافل. والسؤال هنا، في حال تطور إحدى الأزمات للتهديد بمواجهة نووية، أو توظيف مثل ذلك الخيار استباقياً. فما هو موقف باقي الأطراف المتكافلة أمنياً أو قبول بعضها توظيف قدراتها الاستراتيجية في الدفاع عن جملة من الحلفاء أو أحدهم، والشق الآخر، هل كانت الولايات المتحدة مثلاً لتلجأ لمثل ذلك في الدفاع عن بولندا، أستراليا أو اليابان؟ آخر أبعاد السؤال، من منظور الأمن القومي (الاستراتيجي) المشترك لمنظومة دول مجلس التعاون، ما هو مفهومها لتلك الضمانات من المنظور المستقبلي على ضوء ما استجد من واقع؟

*كاتب بحريني