كان يومي سعيداً، يمكنني أن أقول ذلك، بل يمكنني أن أؤكد أنه كان أقل شبهاً من الأيام الماضية، قرأت عن قضية هانيبال القذافي، نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، حيث أكدت مصادر لبنانية أنه لن يتم الإفراج عنه حتى يقدم معلومات دقيقة عن مصير موسى الصدر ورفيقيه.

وبعدها ظللت لساعة وأنا أقرأ عن الواقعة السحرية التي لازمت الروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز، وعلاقته بالمرأة التي شغف بها طيلة حياته وهي «مرسيدس بارشا»، ذات الأصول المصرية - اللبنانية، وتنفست الصعداء وأنا أقرأ ماذا قال ماركيز عنها: «لقد كانت مرحة ولطيفة في تعاملها معي على الدوام، لكنها تمتلك موهبة مشعوذ في التملص من الأسئلة والإجابات، وعدم الالتزام بأي شيء محدد، وكان عليّ أن أتقبل ذلك على أنه استراتيجية أكثر رحمة من عدم المبالاة أو الصد».

كل ما سبق كان حصيلة ساعات محدودة، أخبار مرت عليها أيام وأخرى أسابيع معدودة، حتى توقفت جلياً أمام ما نشر عن عزم شركة «ميتا بلاتفورمس» الأميركية المالكة لمنصات «فيسبوك» و«واتساب» و«إنستغرام»، حيث تعتزم الأخيرة سؤال بعض المستخدمين في الولايات المتحدة عن خلفيتهم العرقية والإثنية، بهدف تطوير معرفتها في كيفية تأثر المجموعات السكانية المختلفة بالمنصة، وبعد هذا الإعلان جاء توضيح بأن كل ردود المستخدمين سيتمم تشفيرها، ولن يصل أحد إلى أي حساب خاص بالمستخدمين المشاركين في الاختبار.

في الحقيقة من الجيد أنه تم اختيار الولايات المتحدة، ولم يتم اختيار أي بلد عربي، ولو حدث ذلك سأكون أول الذين لن يجيبوا عن أي سؤال يتعلق بالجذور العرقية أو سواها. فأنا أمتلك الحرية التي تؤهلني إما للرفض أو القبول، ولديّ ذلك الشعور المتراكم الذي من الممكن أن يكون لدى العديد من المستخدمين لمثل هذه المنصات، فهذه الأخيرة هي الرابحة أولاً وأخيراً من تفاعلنا معها، لذا، فهي لا تستحق أن تضعني في أي خانة عرقية، أو تعرف الخلفية الإثنية التي جئت منها.

وأكاد أن أجزم بأن إدارة «إنستغرام» ستصاب بالسكتة القلبية لو أنها قامت بهذا المسح البياني في العالم العربي. فنحن لا نتعامل مع مثل هذه البرامج ليستفيد مالكوها أكثر مما حققوه من مكاسب. ففي العالم العربي يتم استخدام هذه المنصات في تمضية أوقات الفراغ، الذي نعاني وجوده، وهناك من يستخدمها رغبة في ملاحقة المشاهير والتنمر عليهم وإحباطهم حتى يكرهوا أنفسهم، ومتابعة صغار الأقرباء والجيران لمعرفة ما يفعلونه، والبحث عما يخبئونه خوفاً من العين والحسد.

على الرغم من أن الشركة أوضحت أن البيانات ستخزن في جهات مختلفة، بحيث لا يستطيع أي شخص ربط الإجابات بأي حسابات على «إنستغرام»، إلا أنني أجد أن الفكرة بمجملها سيكون مآلها الفشل، لكن الفشل الأكبر لو فكرت مجرد تفكير بأن تفعل ذلك في أي من بلاد العالم العربي.

* كاتبة وروائية سعودية