تدخل حرب أوكرانيا مرحلة مصيرية؛ إذ ستُحدد الستة أشهر المقبلة ما إن كان هذا النزاع الكارثي سينتهي أو سيتحول إلى حرب استنزاف لا نهاية لها، وكيف. نظرياً، يمكن أن تضع الحرب أوزارها إذا حققت روسيا أو أوكرانيا نصراً حاسماً على ساحة المعركة. وهذا يفترض أن يزيد الضغط على الجانبين من أجل بحث إمكانية وقف لإطلاق النار أو مفاوضات سلام. 
ولكن الحقيقة أن روسيا تملك خيارات أكثر من أوكرانيا، ذلك أنه إذا نُظر إلى أوكرانيا على أنها بصدد خسارة الحرب، وباتت بدون خيارات عسكرية جيدة عدا جلب القوى الخارجية، فإن داعميها الغربيين سيصبحون منقسمين على أنفسهم وربما يوافقون على ضرورة أن يقبل الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي بمفاوضات تفضي إلى تسوية؛ وإزاء وضع مماثل، سيكون لدى روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين خيارات أكثر. خيارات جميعها غير لطيفة، ولكنها ممكنة، ومن ذلك إمكانية أن يعترف بوتين بأن الحرب كانت خطأ ويوافق على الانخراط في مفاوضات من أجل إنقاذ ما تبقى من جيشه. غير أنه بالنظر إلى شخصية بوتين وتاريخه، يبدو هذا قرارا مستبعداً على اعتبار أن من شأنه خلق مشاعر عداء عميقة داخل دائرته الداخلية وبين أنصاره السياسيين ويمكن بالتالي أن يهدِّد زعامته. 
الأرجح هو إمكانية أن يرفض التفاوض ويذكِّر العالم بالقدرة الاستثنائية للروس على تحمل الصعوبات والانتكاسات. وفي هذا الإطار، يمكن أن يستخدم القومية المتطرفة لتقوية المعنويات، وإنشاء جيش جديد، والأمل في أن يستطيع على المدى البعيد استعادة زمام المبادرة وإطالة أمد الحرب. وسيأمل في أن ينقسم الغرب بشأن آفاق نقص أكبر في الطاقة، وسيمارس ضغطا على أوكرانيا من أجل تقليص مطالبها بخصوص التعويضات التي تتوقعها من روسيا بسبب بدء الحرب. 
أما الخيارات الأخرى المتاحة أمام بوتين، فتتعلق بالأسلحة النووية ومحطات الطاقة النووية. وفي هذا الإطار، يمكن أن يأمر باستخدام أسلحة نووية تكتيكية في بحر البلطيق والبحر الأسود. ولكن سلبيات مثل هذا العمل كثيرة جدا. ذلك أن استخدام ولو قنبلة صغيرة في ساحة المعركة من شأنه أن يمثِّل تصعيدا غير مسبوق منذ أغسطس 1945. والواقع أن استخدام الأسلحة النووية سيناريو فكرت فيه عددٌ من البلدان خلال الحرب الباردة بما في ذلك الولايات المتحدة وروسيا، وربما إسرائيل والهند وباكستان؛ ولكن هذه التهديدات لم تتحقق أبدا على أرض الواقع. ولم تُعتبر محتملة بالنظر إلى رد الفعل القوي الذي ستثيره في حال استخدامها. وعليه، فإذا خرقت روسيا هذا التابو، فإن العواقب الدولية ستكون شديدة على الأرجح وستؤدي إلى مزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا، وإلى مزيد من العزلة الدولية -- اعتمادا على حجم الضرر الذي تحدثه القنبلة. 
غير أن الخيار الأرجح والأخطر من عدة نواح هو إمكانية أن تتضرر، على نحو مقصود أو عرضي، محطة الطاقة النووية الأوكرانية الحيوية التي توفِّر50 في المئة من إمدادات الكهرباء الأوكرانية. محطة زابوريجيا هي المحطة الأكبر، وتقع على نهر دنيبر في جنوب أوكرانيا وفي منطقة الحرب في القتال الحالي. يديرها عمال أوكرانيون ولكنها تخضع لسيطرة القوات الروسية. وتقول أوكرانيا إن المحطة مهددة بما في ذلك المنشآت الحيوية التي توفِّر التبريد للمفاعلات الستة. وفي حال تعطّلت المبرِّدات نتيجة عمليات عسكرية ودخلت بعض المفاعلات في حالة انصهار على غرار ما حدث في تشيرنوبل في سنة 1986 (مفاعل واحد) وفوكوشيما في اليابان في سنة 2011 (4 مفاعلات)، فإن العواقب ستكون كارثية. ذلك أن الغبار المشع سيؤدي إلى نزوح عدة آلاف من الناس وإلى تحول بعض من أهم أراضي أوكرانيا الزراعية إلى أراض غير قابلة للاستغلال. واعتمادا على اتجاه الرياح، فإن رومانيا وبلغاريا وتركيا وروسيا يمكن أن تتأثر بالكارثة. وستكون التداعيات الدولية قوية ومضرة بالمثل بالنسبة لروسيا. 
روسيا قد تكون لديها خيارات أكثر من أوكرانيا في ما يتعلق بكيفية إدارة الحرب، ولكن في هذه المرحلة وفي غياب نصرٍ واضحٍ على الأرض، فإن الخيارات المتاحة ليست مثل ما كان يتوقع الجميع عندما بدأت العمليات العسكرية يوم 24 من فبراير الماضي. 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست» في واشنطن