من المتوقع أن تشهد أسعار الفائدة على الدولار الأميركي، وبالتالي على العملات الخليجية، المزيدَ من الارتفاع في الفترة القريبة القادمة، مما ستكون له انعكاسات مالية على باقي القطاعات والأنشطة الاقتصادية في دول مجلس التعاون الخليجي، خصوصاً وأن الضغوط تزداد على بنك الاحتياط الفيدرالي لرفع نسب الفائدة إلى 1% بدلاً من 0.5-0.75%، كما هو متوقع بسبب ارتفاع معدلات التضخم، والتي تُبذَل جهودٌ كبيرةٌ في الغرب للحد منها وتجنب المزيد من التأثيرات المتوقعة على مختلف الأنشطة الاقتصادية.
وبما أن الأسواق عادة ما تستجيب للتوقعات قبل حدوثها، فقد شهدت أسواق المال الغربية في الأسبوعين الماضيين انخفاضات كبيرة، وذلك على الرغم من بعض البيانات التي نُشرت، كمعدلات البطالة والتي ساهمت خلال ساعات قليلة في الحد من تدهور البورصات، إلا أنه سرعان ما غيرت الأسواقُ المالية اتجاهاتها بسبب بعض المخاوف الناجمة عن تضارب البيانات وتوقعات المحليين، إضافة إلى المضاربات المحمومة والتي تحقق للبعض مكاسب كبيرة، مقابل خسائر مماثلة للبعض الآخر.
وبعيداً عن البورصات الغربية، وعلى الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة على العملات الخليجية بنفس مستوياتها على الدولار، فإن الانخفاضات في أسواق المال الخليجية كانت بنسب أقل كثيراً، وذلك لأسباب عديدة سنأتي على ذكرها، علماً، بأن البورصات العالمية جارت السوق المالية الأميركية، وذلك على الرغم من أن أسعار الفائدة على اليورو وبعض العملات الآسيوية ارتفعت بنسب متواضعة، مما يفسر قوة الدولار الأميركي وارتفاعه بنسبة 20% تجاه اليورو في الآونة الأخيرة.
والاستقرار النسبي للبورصات الخليجية له ما يبرره، وأول ذلك استمرار أسعار النفط والغاز عند معدلات مرتفعة، مما يوفر سيولةً محلية تدعم الأسواق المالية وترفدها بسيولة إضافية، وثانيه أن التوزيعات المرتفعة للشركات الخليجية المدرَجَة يساهم في استقرار أسعار الأسهم الخليجية، إذ أنه رغم ارتفاع أسعار الفائدة والذي سيؤدي بدوره إلى ارتفاع أرباح البنوك، فإن توزيعات الشركات الخليجية ستبقى مرتفعةً بالقياس إلى أسعار الفائدة الحالية. أما ثالثه فهو البيانات التي تشير إلى أن معدلات التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي أقل كثيراً من معدلاتها في الدول الصناعية، مما يعني أن نسب ارتفاع أسعار الفائدة يتناسب تقريباً مع معدلات التضخم، وهو ما يمنح الاقتصادات الخليجية المزيد من الاستقرار ويعزز من الأنشطة الاقتصادية التي ستساهم في زيادة أرباح الشركات المدرجة. ورابعه ما شهدته أسواق المال الخليجية، وبالأخص سوقي الإمارات والسعودية، من عمليات استقطاب لاستثمارات أجنبية كبيرة، حيث تعتبر أسعار العديد من أسهم الشركات الخليجية جيدة، مقارنةً بالعوائد التي سيجنيها المستثمرون بعد التوزيعات السنوية والمتوقع أن تكون بنسب تفوق مثيلاتها في العام الماضي بالنسبة لبعض الشركات، وبالأخص عوائد بعض البنوك المدرجة.
وإضافة إلى ذلك، فإن الاستقرار في أسواق المال الخليجية والناجم عن تدني الانخفاضات ومستويات التذبذبات سيساهم في اجتذاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في الأشهر القادمة، فدول المجلس تحقق معدلات نمو هي الأعلى في العالم، مما سينعكس على النمو والأرباح المحققة في مختلف الأنشطة الاقتصادية.
ومن ذلك يمكن الاستنتاج أنه رغم ارتباط العملات الخليجية بالدولار وتأثر البورصات الغربية بسبب ارتفاع معدلات الفائدة، فإن البورصات الخليجية ستظل في أوضاع أفضل نتيجةً للأسباب التي أشرنا إليها والتي لا تحافظ على استقرارها فحسب، وإنما تشكل قوةَ دفع إضافية ستتعزز أكثر من مكاسبها مع إعلانات نتائج الشركات في الربع الثالث والرابع من هذا العام، وكذلك النتائج السنوية ونسب توزيعات الأرباح، في حين تشير البيانات المتوفرة إلى محدودية التأثيرات الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة على مختلف القطاعات الاقتصادية في دول المجلس، وهو ما يعني قدرةَ الاقتصادات الخليجية على التأقلم مع مختلف التغيرات الاقتصادية الجارية في العالم. 

*خبير ومستشار اقتصادي