من اللافت تعديل القوانين الخاصة بالإقامة في عدة دول خليجية، وهذا دليل على إمكانية كبيرة لدى هذه الدول لتطوير قوانينها بما يتناسب مع التغيرات الداخلية والخارجية، وكل ما يسهم في تطوير الاقتصاد وسوق العمل، والتأكيد على أن التغيير سنَّة من سنن الكون، خاصة إذا كان نحو الأفضل، مع الإيمان بأن كل دولة يجب أن تصنع تجربتها الخاصة، وفي بعض الأحيان يمكن الاستفادة من التجارب الناجحة، لكن في النهاية لكل كيان خصوصيته، ولا يمكن تطبيق تجربة سياسية أو اقتصادية بحذافيرها في بلد آخر دون الأخذ بعين الاعتبار التمايزات القائمة.

تجربتنا في دول الخليج عموماً، وفي دولة الإمارات خصوصاً، تجربة فريدة، فالإمارات استطاعت خلال نصف قرن تحقيق منجزات كبرى، فمن كان يراقب تجربتها المتميزة يدرك كيف استطاعت بحكمة قيادتها تجاوز عقبات كبرى وكيف نجحت في ترسيخ مكانتها وتعزيز دورها العالمي، فهناك دول عدة لديها إمكانيات مادية كبرى لكنها فشلت في أن تشيد البنيان والإنسان أيضاً، لكننا حققنا معادلة فريدة لتصبح دولتنا علامة فارقة على هذا الكوكب.

وأهم ما تميزنا به هو المرونة الكبيرة والقدرة عل التغيير نحو الأفضل، سواء في القوانين أو الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية. وتحسب للإمارات قدرتها على التكيف سريعاً مع المتغيرات.. حيث إنها، ومن خلال الرؤية الثاقبة لقيادتها، تعمل على تحديث القوانين بما يسمح بالتطوير وبمواكبة العصر.

فدولتنا التي تجاوزت أزمات عالمية كبرى قادرة الآن على تثبيت مكانتها الإقليمية والعالمية، وقد رأينا خطوتها الأخيرة في ما يتعلق بخلق مسار جديد ومنظومة متكاملة للإقامة، وهي خطوة كبيرة وذكية وتوضح أننا في مصاف الدول الرائدة على مستوى العالم، التي تستقطب البشر من كافة البلدان لتكون الوجهةَ المثاليةَ للباحثين عن العمل والمستثمرين ورواد الأعمال والطلاب، ولكل مَن يبحث عن حياة سعيدة آمنة ومستقرة.

هذا النظام المرن المصمم حسب حاجة الإمارات يمثّل نقلةً جديدةً. وتبقى لكل دولة تجربتها، وهنا نحن نصنع تجاربنا التي تتناسب معنا، ومع تطورنا وحفاظنا على تراثنا وتاريخنا، وهذا ما يميز الإمارات التي خَلقت نموذجَ عمل جديداً وكانت سباقةً بين الدول الخليجية. السعودية أيضاً سمحت للمقيمين في دول مجلس التعاون بالحصول على تأشيرة سياحية للدخول، وهذه خطوة جيدة تمكّن المقيمين من التحرك وزيارة السعودية والتعرف عليها، وهذا ما يقودنا للتفكير في أن دول الخليج لديها أنظمة وبروتوكولات مشتركة، أمنية وغيرها، ويمكن بسهولة توفير ربط مشترك بهدف تسهيل تنقل المقيمين في دول الخليج، حتى من دون تأشيرة، فيكفي أن تكون مقيماً في دولة خليجية حتى تتمكن من التنقل بين كافة الدول الخليجية، وهذا سيخلق مردوداً مالياً واقتصاديا كبيراً، إذ سيشجع السياحة الداخلية بين دول الخليج.

ويمكن لهذه الدول توفير منشآت سياحية تجذب المقيمين وتدفعهم لزيارتها. ومن المعروف أن التركيبة السكانية في دول الخليج ترجّح الكفة العددية للمقيمين، وهؤلاء يعملون وينتجون وكثير منهم لديهم إمكانيات مادية كبيرة تمكنهم من السفر بهدف السياحة والترفيه، وغالباً ما يقصدون الدول التي توفر لهم دخولاً سريعاً وسلساً، لذا خطرَ في البال أنه بتسهيل تنقل المقيمين سنعزز السياحةَ الداخليةَ ونطورها بشكل غير مسبوق، عبر الترويج وتقديم العروض وإنشاء مقرات سياحية تجذب الجميع وتطور الحركةَ الاقتصادية، وربما تجربة الاتحاد الأوروبي مثال واضح في هذا المجال، حيث هناك ربط مشترك بين دول الاتحاد وسماح بتنقل المقيمين والمواطنين، وهذا له مردود كبير لصالح الحركة الاقتصادية.

*كاتب إماراتي