تقع الهند في نطاق صعب، حيث يشكّل تدبير العلاقات مع الدول الأصغر تحدياً دائماً. غير أن هناك بلداً كانت للهند معه علاقات مستقرة على مدى السنوات الماضية ألا وهو بنغلاديش. فخلافاً لدول جنوب آسيا الأخرى، باستثناء بوتان، تمثّل العلاقات بين بنغلاديش والهند مصدر استقرار. وكان هذا واضحاً خلال الزيارة التي قامت بها رئيسة وزراء بنغلاديش الشيخة حسينة إلى الهند هذا الأسبوع. الشيخة حسينة صديقةٌ قديمةٌ للهند، وكانت تلك زيارتها الأولى منذ ثلاث سنوات وتأتي قبل عام على موعد الانتخابات العامة في بلدها. ولئن كانت صداقتها القوية مع الهند تُنتقد أحياناً من قبل المعارضة المحلية، فإنها تُعد مهمة لها في وقت تسعى فيه وراء ولاية ثالثة في السلطة خلال الانتخابات المقررة العام المقبل. 
ما يمكن أن يوصف بأقوى لحظات تلك الزيارة كان اتفاق الهند وبنغلاديش على بدء محادثات بشأن «اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة»، والتي من المتوقع أن تعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين اللذين تربطهما علاقات تجارية مهمة أصلا. ففي السنة المالية 2021-2022، كانت بنغلاديش أكبر شريك تجاري للهند في جنوب آسيا، كما أنها تُعد رابع أكبر وجهة للصادرات الهندية على صعيد العالم، إذ ارتفعت الصادرات الهندية إلى بنغلاديش بأكثر من 66 في المئة، من 9,8 مليار دولار خلال السنة المالية 2020-2021 إلى 16,15 مليار دولار في السنة المالية 2021-2022.
قرار بدء مفاوضات الاتفاقية الاقتصادية الشاملة، التي كانت موضع نقاش غير رسمي على مدى سنوات، اتُّخذ عقب لقاء الشيخة حسينة وناريندرا مودي ومباحثاتهما الثنائية. وقد قرر البلدان عقد هذه الاتفاقية قبل ارتقاء بنغلاديش من وضع «الدول الأقل نمواً». وكان هذا البلد قد شهد نمواً اقتصادياً سريعاً خلال العقد الماضي، ومن المتوقع أن يرتقي من وضع «البلد الأقل نمو» بحلول عام 2026. غير أنه في الآونة الأخيرة واجهت بنغلاديش بعض الصعوبات الاقتصادية. ويتوقع أن تشكّل الاتفاقية الاقتصادية الشاملة دَفعةً قويةً للعلاقات الاقتصادية التي تعززت بينها وبين الهند خلال السنوات الخمس الماضية. ويذكر هنا أن صادرات بنغلاديش إلى الهند ارتفعت من 304,63 مليون دولار في السنة المالية 2009-2010 إلى 1,28 مليار دولار في السنة المالية 2020-2021، وارتفعت الواردات خلال الفترة نفسها من 2,3 مليار دولار إلى 8,6 مليار دولار. 
البلَدان وقّعَا أيضاً اتفاقيةً بشأن تقاسم المياه، إذ يظل تقاسم المياه وتقاسم المعلومات المتعلقة بالفيضانات موضوعين مهمين بين البلدين. وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء مودي إن من شأن تقاسم المياه خدمةَ مصلحة سكان ولاية أسام في الهند وسيلهيت في بنغلاديش، مشيراً إلى أن البلدين اتفقَا على توسيع تقاسم مياه الفيضانات. غير أن التوصل لاتفاق بشأن تقاسم المياه على نهر «تيستا» الكبير ما زال عصياً على البلدين. ذلك أن الهند لم تستطع تحقيق تقدم بشأن هذا الموضوع، بسبب المعارضة الداخلية من ولاية غرب البنغال التي تقاوم تقاسم المياه خشية أن يؤذي مزارعي الولاية. غير أن الشيخة حسينة عبّرت عن أملها في أن يتم التوصل لاتفاق لتقاسم مياه نهر «تيستا» سريعاً، مسلطةً الضوءَ على العلاقة المتينة التي تربط بين الهند وبنغلاديش، ومشددةً على أن أي مشكلة يمكن حلها عبر الحوار. ولفتت إلى أن «العلاقات الثنائية البنغالية الهندية تظل نموذجيةً بالنسبة لدبلوماسية المنطقة». 
ومنذ وصولها إلى السلطة في عام 2009، ساعدت بنغلاديش تحت حكم رئيسة الوزراء الشيخة حسينة الهندَ على وضع حد للعنف والإرهاب في ولاية أسام الواقعة شمال شرق الهند، عبر إغلاق معسكرات المتمردين التي كانت تُستخدم كقاعدة لشن هجمات على الهند. كما أتاحت عبوراً مهما إلى ولايات شمال شرق الهند التي ترتبط بالبر الهندي من خلال شريط رفيع من الأرض يعرف بـ«عنق الدجاجة». ونيودلهي ممتنة جداً للشيخة حسينة على التعاون في هذين الموضوعين اللذين يُعدان مهمين جداً للأمن الداخلي الهندي ولتعزيز الربط الطرقي بين البلدين. والواقع أن الهند منخرطة أيضا في مشاريع لتعزيز الربط مع بنغلاديش. 
وخلال هذه الزيارة، تباحث الجانبان أيضاً حول تعزيز التعاون في مجال الطاقة. وفي هذا الإطار، كشف الزعيمان النقابَ عن محطة مشتركة جديدة لتوليد الكهرباء بقدرة إنتاجية تناهز 1320 ميغاوات، وهما يبحثان حالياً التعاونَ في المجال النووي بالشراكة مع روسيا. وإلى جانب ذلك، فقد نوقشت مواضيع الربط الطرقي بين البلدين. وتعتزم الهند وبنغلاديش إنشاء لجنة تقنية مشتركة ستدرس استخدام مياه نهر الغانج في بنغلاديش. كما جرى تباحث مبادرات الربط بين البلدين من قبيل تحويل عدد من خطوط السكك الحديدية إلى سكك ذات مقياس مزدوج (تسمح بمرور قطارات من مقاييس مختلفة)، الأمر الذي سيشكّل دَفعَةً للربط السككي ويتيح تدفقاً سلساً للسلع، فضلا عن نقل المسافرين.
ومما لا شك فيه أن زيارة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة أظهرت أن الفترة الذهبية في العلاقات الثنائية ستتواصل، وأن العلاقات بين الهند وبنغلاديش تمثّل بكل تأكيد مصدر استقرار في جنوب آسيا. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي