أسفرت الانتخابات التمهيدية، في ولاية وايومينغ، عن هزيمة مدوية للنائبة ليز تشيني. إنها واحدة من «الجمهوريين» القلائل المستعدين لمقاومة أكاذيب دونالد ترامب الانتخابية، وها قد عاقبها الناخبون الجمهوريون على ذلك. لكن دعوني أولاً أقول إنه ليست لدي أي نية للمساهمة في تقديم ليز تشيني في صورة قديسة، فهي جمهورية محافظة دعمت مواقفَ ترامب التشريعية في 93% من الأوقات.

والتمرد والأكاذيب الانتخابية هي الأشياء التي اختلفت معه فيها أخيراً. واعذروني إن خففتُ قليلاً من حماسي لشخص يقدّم نفسَه كداعم كبير للديمقراطية، لكنه يصوّت ضد قانون «جون آر. لويس للنهوض بحقوق التصويت». غير أن خسارة ليز تشيني توضّح لنا بالفعل شيئاً يعلمه الكثيرون، ألا وهو أن العائق الذي ينبغي التخلص منه في الحزب الجمهوري المعاصر ليس كونه محافظاً بما يكفي، وإنما كونه راضخاً ومستسلماً بما يكفي لترامب ولسعيه في سبيل إنكار الديمقراطية وتدميرها.

وعلينا أن نكف عن اعتبار أنه من المبالغة القول إن الحزب الجمهوري نفسه بات يمثّل تهديداً لديمقراطيتنا اليوم. والحق أنني أتفهم الانزعاج الذي قد يشعر به البعض بسبب وصف كثير من مواطنينا الأميركيين بتلك الطريقة. وأتفهم أن الأمر قد يبدو متطرفاً ومبالغاً فيه، لكن كيف يمكن وصف ما نراه حالياً؟ الواقع أنه من أصل «الجمهوريين» الـ10 في مجلس النواب الذين صوّتوا تأييداً لعزل ترامب، لدوره في التحريض على العصيان والتمرد، امتنع أربعة منهم عن السعي إلى إعادة الانتخاب، في حين خسر أربعة آخرون انتخاباتِهم التمهيدية. واثنان منهم فقط تقدّموا إلى الانتخابات العامة، علماً بأن هذين الاثنين كانا مرشحين في ولايات تسمح للناخبين بالتصويت في أي انتخابات تمهيدية، بغض النظر عن انتمائهم الحزبي. وفضلاً عن ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي باستمرار أن جزءاً صغيراً فقط من الجمهوريين يعتقد أن جو بايدن انتُخب بطريقة شرعية.

والحال أنه انتُخب كذلك بالطبع. بل إنه وفق تحليل لصحيفة «واشنطن بوست»، نُشر الأسبوع الماضي، فإن قرابة ثلثيْ المرشحين الجمهوريين للمناصب الولائية والفدرالية، ممن لديهم تأثير على الانتخابات في الولايات التي تشكّل ساحات لمعارك انتخابية محتدمة، يعتقدون أن الانتخابات الأخيرة سُرقت.

واللافت هنا أن الأمر لا يزداد إلا سوءاً. ففي الشهر الماضي، وجد استطلاع للرأي لشبكة «سي إن إن» أن الجمهوريين باتوا اليوم أقل ميلاً إلى الاعتقاد بأن الديمقراطية تتعرض لهجوم مما كانوا عليه في وقت سابق من العام، قبل أن تشرع لجنة 6 يناير في الكشف عن خلاصاتها الخطيرة، إذ قال 33 في المئة من الجمهوريين والمستقلين الذين يميلون إلى الحزب الجمهوري، إن الحزب ينبغي أن يكون «متقبلاً جداً» للمرشحين الذين يقولون إن الانتخابات سُرقت، بينما قال 39 في المئة إن الحزب ينبغي أن يكون «متقبلاً شيئاً ما» لأولئك المرشحين.

وفضلاً عن ذلك، وجد استطلاع للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» وجامعة ميريلاند، ونُشر في يناير الماضي، أن نسبة الجمهوريين الذين يقولون إن العنف ضد الحكومة يمكن أن يكون مبرَّراً أحياناً ارتفعت إلى 40%، مقارنة مع 23% بالنسبة للديمقراطيين. والجدير بالذكر هنا أيضاً أن 40% من البيض قالوا إن العنف يمكن أن يكون مبرَّراً مقارنة مع 18% فقط من السود. وعليه، فإنه يتعين أن نكف عن القول بأن كل هؤلاء الأشخاص انخدعوا وضلوا الطريق، وبأنهم وقعوا تحت سحر ترامب وتأثير دعاية «فوكس نيوز». ولا شك في أن الدعاية والمعلومات المضللة حقيقية وموجودة، لكني أعتقد أن تطرف الجمهوريين مقصود ومتعمَّد إلى حد كبير.

فالجمهوريون بحثوا في عدة دورات انتخابية عن الوسيلة المناسبة والتعبئة الفعالة لقوميتهم البيضاء وطائفتهم الدينية ورأسماليتهم الجبانة وتحيزهم ضد النساء. وهناك زمن كان يعتقد فيه الجمهوريون أن تلك الروابط ينبغي أن تعبَّأ في أدب (المحافظة الرحيمة)، وأن الحزب سيوصي في نهاية المطاف بمقاربة أكثر اعتدالاً بهدف توسيع جاذبية تقييمه بعد خسارة مِيت رومني الانتخابية عام 2012.

لكن ترامب قدّم لهم بديلاً، فأخذوه: بدلاً من الهرب من تعصبهم وانعدام تسامحهم وميلهم القمعي، عليهم أن يعتنقوا كل ذلك صراحةً ويتبنوه دون شعور بالحاجة إلى الاعتذار. هذا الأمر كان يمنح شعوراً جيداً بالنسبة لكثير من الجمهوريين. ذلك أنهم لم يعودوا بحاجة للاختباء. فهم يستطيعون الآن عيش حقائقهم، بغض النظر عن طبيعتها، ويستطيعون الخروجَ والجهرَ بحقيقة ما يعتقدونه. لكن الطريقة الوحيدة لإنجاح هذه الاستراتيجية، طالما أن أياً من الطرفين لا يهيمن على الحياة الأميركية، هي دعم استراتيجية حكم أقلية والتنصل من الديمقراطية. وقد وجد استطلاع للرأي أجراه «مركز بيو» أنه بين عامي 2018 و2021 أصبح الجمهوريون والمستقلون ذوو الميول الجمهورية يؤيدون تدريجياً مزيداً من القيود على التصويت. وفي استطلاع آخر للرأي أجرته «إن بي آر» و«إيبسوس»، في ديسمبر الماضي، رأت أغلبية من الديمقراطيين والمستقلين والجمهوريين أن الديمقراطية الأميركية، وأميركا نفسها، في أزمة، لكن الجمهوريين كانوا أكثر مجموعة تعتقد ذلك.

غير أن هذا سيناريو ينظر فيه أشخاص مختلفون إلى الموضوع نفسه من اتجاهات مختلفة ويؤولونه بشكل مختلف. إن الجمهوريين هم التهديد لديمقراطيتنا لأن شكلهم المفضل من الديمقراطية في خطر، وهو شكل يقوم على الإقصاء والقمع، ما يمنح الجمهوريين فرصةً للإبقاء على سيطرتهم. وخلاصة القول هي أن الديمقراطية، بالنسبة للجمهوريين المعاصرين، لا تنجح – ولا تستحق العناء – إلا حين يفوزون بجميع المناصب.

*كاتب وصحافي أميركي

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/08/17/opinion/republicans-cheney-trump-democracy.html