يتزايد الاهتمام العالمي في السنوات الأخيرة بـ «الأمن الغذائي» الذي أصبح ركيزة أساسية من ركائز الأمن الوطني لغالبية دول العالم.

ومن الممكن تعريف الأمن الغذائي بالوضع الذي يتمتع فيه جميع الناس، في جميع الأوقات، بإمكانية الوصول المادي والاجتماعي والاقتصادي إلى السلع الغذائية الكافية والآمنة والمفيدة صحياً، وتلبي احتياجاتهم الغذائية من أجل حياة سليمة وصحية. وعلى مدار تاريخ البشرية، كانت المجاعات والجفاف والحروب السياسات الاقتصادية الفاشلة من أبرز الدوافع التي حدت بالحكومات إلى التركيز على تطوير الاستراتيجيات والبرامج الكفيلة بتأمين الأمن الغذائي للشعوب وقت الأزمات والطوارئ والكوارث.

وقد حددت المنظمات العالمية الرسمية والمؤتمرات المتخصصة في أمور الصحة والغذاء ست ركائز ينظر إليها كمقومات للأمن الغذائي السليم، والتي إن توفرت ستنجح حكومات العالم في سياسات الأمن الغذائي التي تضعها. وتلك الركائز هي: توافر الغذاء، والوصول إلى الغذاء، واستخدامه وسوء استخدامه، والاستقرار، وقدرة الأفراد أو الجماعات على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم بشأن سياسات إنتاج وتوزيع واستهلاك الطعام، وأخيراً، الاستدامة، أي قدرة الحكومات على المدى الطويل على توفير الأمن الغذائي والتغذية بطريقة لا تعرض للخطر الأسس الاقتصادية والاجتماعية والبيئية التي تولد الأمن الغذائي والتغذية للأجيال القادمة.

ولكن تلك الركائز تواجه تحديات عديدة تهدد نجاح أي سياسة للأمن الغذائي تتبناها الحكومات. ومن أبرز تلك التحديات أزمة المياه العالمية، تجريف ونقص الأراضي الزراعية، تغير المناخ، الآفات الزراعية، فقد الغذاء وهدره، الزيادة المضطردة في النمو السكاني، الاعتماد على الوقود الأحفوري، السياسات الاقتصادية، الأزمات العالمية مثل أزمة سلاسل الإمداد التي نتجت عن أزمة وباء كورونا والأزمة الروسية – الأوكرانية.

ولكننا نستطيع القول إن حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة نجحت خلال الأعوام الأخيرة في وضع وتطبيق الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي، والتي تهدف إلى مواجهة التحديات والمخاطر العالمية في مجال الأمن الغذائي. وتركز تلك الاستراتيجية على تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، وتحدد عناصر سلة الغذاء الوطنية، التي تتضمن 18 نوعاً رئيساً، بناء على ثلاثة معايير رئيسة، هي معرفة حجم الاستهلاك المحلي لأهم المنتجات، والقدرة على الإنتاج والتصنيع، والاحتياجات التغذوية.

وتعمل تلك الاستراتيجية على تحقيق العديد من الأهداف من أبرزها أن تكون دولة الإمارات الأفضل عالمياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي بحلول عام 2051، بجانب تطوير برنامج يُعنى باستزراع الأحياء المائية، وتشجيع استهلاك المنتجات المحلية الطازجة، وضمان سلامة الغذاء وتحسين نظم التغذية، والحد من فقد وهدر الغذاء من خلال تطوير منظومة متكاملة لخفض نفايات الطعام ضمن سلاسل التوريد، وتفعيل المبادرات لتعزيز قدرات البحث والتطوير في مجال الغذاء.

كما تم إنشاء «مجلس الإمارات للأمن الغذائي» واعتماد النظام الوطني للزراعة المستدامة وإطلاق منصة دبي لحالة المخزون الغذائي وإنشاء بنك الإمارات للطعام. أضف إلى ذلك إصدار القانون الاتحادي رقم/3/ لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية، الهادف إلى تنظيم المخزون الاستراتيجي للمواد الغذائية في الدولة في حال حصول أزمات وطوارئ وكوارث، وتحقيق الاستدامة في مجال الغذاء. والهدف النهائي لكافة تلك الإجراءات هو النجاح في توفير الأمن الغذائي السليم والمستدام لشعب الإمارات.

* باحث إماراتي