كان طبيعياً أن تفتح تركيا أبوابها أمام السوريين اللاجئين إليها بحثاً عن أمان، فهي الجارة الأقرب، وهي شريك الثقافة والدين والتاريخ الممتد مئات السنين، وقد اختلطت فيه الأنساب. رحَّب الأتراكُ بالسوريين، لكن مقام السوريين طال، وملَّ بعض الأتراك من حضور السوريين بعد أحد عشر عاماً من الاستضافة، وقد بدا أن كثيراً من السوريين استوطنوا وتعلم أبناؤهم اللغة التركية وباتوا أوائل في مدارسها، وحقق كثير من السوريين نجاحاً اقتصادياً نشطاً يوحي بأنهم سيستقرون، ولا يوجد أمل واضح بموعد عودتهم إلى بلدهم. ويكاد عدد اللاجئين والمقيمين السوريين في تركيا يتجاوز الأربعة ملايين نسمة. والحال في تركيا مختلف عن الحال في مصر مثلاً، فالسوريون في مصر ليسوا لاجئين، بل يعيشون مع أهلهم المصريين، وقد كانوا دولةً واحدة عبر كثير من السنين، وتوحدوا في أزمان صلاح الدين ثم الظاهر بيبرس ثم جمال عبد الناصر.. وعلى الصعيد الشعبي ظلوا متحدين، وتاريخ الهجرات المتبادلة بين البلدين عريق وممتد، فلا يكاد يوجد موقع في سوريا خال من أسرة «المصري»، وكذلك كان حضور «الشوام» في مصر. والأمر ذاته في الأردن ولبنان والعراق. وحين نشأت الدولة العربية الأولى في بلاد الشام بعد سقوط الدولة العثمانية، شُكلتْ أول حكومة برئاسة علي رضا الركابي، وضمت وزراء سوريين وعراقيين ولبنانيين وأردنيين وفلسطينيين.. ولولا التدخل العسكري الأوروبي لكانت هذه البلدان دولة واحدة.
أما في السعودية والخليج العربي، فقد عاش السوريون عقوداً من الزمن، فضلاً عن وجود تاريخ عريق يعود إلى هجرات القبائل العربية، وهو ما تجلى منذ نشوء دولة الأمويين التي ضمت العربَ جميعاً. وقد سافر آلاف السوريين إلى دول الخليج العربي منذ خمسينيات القرن الماضي، وهذا ما جعل حضور السوريين القادمين إلى هذه الدول عقب اشتعال الأزمة السورية حضوراً عادياً ومألوفاً حيث لا يوجد فيها مَن يُسمَّون «لاجئين» بل هم مقيمون معززون مكرمون. لذا لم تُنصب خيمةٌ واحدةٌ، ولم ينشأ قَطُّ مخيمٌ للاجئين السوريين لا في السعودية أو دول الخليج ولا في مصر. ولا ينسى السوريون ما قامت به الدول الخليجية الشقيقة من دعم كبير، وبخاصة في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية. 

كما لا ينسى السوريون ما لَقوه من رحابة عند كثير من الأوربيين الذين استقبلوا مئات الآلاف من اللاجئين السوريين، وقدموا لهم المساكن والرواتب والرعاية الصحية والتعليمية ومنحوهم جنسيات واعتبروهم مواطنين في كثير من دولهم.. وقد وجدوا فيهم فضلاً عن البعد الإنساني، طاقةَ عمل اقتصادية وعلمية مؤهلة، وقَبِلوا لهم لمَّ شمل أُسرهم، ودخل أبناء السوريين المدارس والجامعات مجاناً، وحقق كثير منهم نجاحاً ملفتاً. 

لقد انتشر السوريون في كل بقاع الأرض، حيث يتجاوز عدد المهاجرين من سوريا ثلاثة عشر مليون شخص، فضلاً عن النازحين داخل سوريا نفسها ممن تركوا مدنَهم وقراهم وسكناهم وتجمّعوا في الشمال السوري، ويكاد يصل العدد في محافظة إدلب وما حولها أربعة ملايين نازح.
والعالم كله يتحدث عن عودة اللاجئين وقد صارت مأساتهم من أضخم المآسي التي تواجهها البشرية، لكن عودتهم تحتاج ظروفاً مناسبة، فقد تهدمت المنازل والمدارس والمشافي ومواقع الخدمات.. خلال السنوات الداميات، كما تعرضت البنى التحتية للدمار. لذا فإن إعادة البناء والإعمار تحتاج إلى مال كثير وجهد كبير، واستقرار أمني.. وهذا لن يتوفر بشكل سليم إلا بعد تنفيذ الحل الذي تنادي به هيئة الأمم المتحدة وكل الدول المعنية. 

وقد استاء السوريون من دعوات بعض اللبنانيين إلى خروج اللاجئين من لبنان، لأن هؤلاء تجاهلوا أن هجرة السوريين إلى لبنان أساساً كانت بسبب دخول «حزب الله» اللبناني الإيراني إلى سوريا، وإمعانه في قتل السوريين وهدم بيوتهم وطردهم من بلداتهم وقراهم وأريافهم، كما فعل في القصير والقلمون والزبداني، وفي كثير من المواقع السورية. ولا يمكن لهؤلاء أن يعودا إلى بلدهم إلا إذا انسحب «حزب الله» من سوريا. كما يتجاهلون أن اللاجئين لم يكلفوا لبنانَ نفقةً ضخمةً على الحكومة اللبنانية، لأن الأمم المتحدة تقدم المساعدات والسوريون يعملون.


*وزير الثقافة السوري السابق