قدّمت دول مجلس التعاون الخليجي تجربةً تنمويةً عالميةً مميزةً من خلال قيامها بتأسيس بنية تحتية متطورة في العقود الماضية، وهو ما أتاح الأساسيات الضرورية لتنمية بقية القطاعات الاقتصادية، حيث شهدت هذه البُنى تطوراتٍ متسارعةً، وبالأخص بعد سنوات الطفرات النفطية. 
وهذه التجارب الداخلية الناجحة في دول المجلس لم تترجم على مستوى البنية التحتية الخليجية المشتركة، والتي ما زالت لا تجاري مثيلاتها المحلية، وهو ما يتطلب ضرورةَ الإسراع في تنمية البنية الخليجية المشتركة واندماجَها مع البنى المحلية لتتكامل معها، مما ستكون له انعكاسات كبيرة على التنمية المحلية وعلى التكامل الخليجي بشكل عام، إذ يبين الإنجاز الوحيد في هذا الصدد والخاص بالربط الكهربائي الخليجي المشترك، مدى أهمية هذا التكامل الذي أشرنا إليه. فبداية من السبعينيات وحتى التسعينيات تكررت عملية انقطاع التيار الكهربائي في دول المجلس، وبالأخص في فترات الذروة خلال الصيف، مما تسبب في خسائر كبيرة، إلا أنه منذ أن تم تفعيل الشبكة الخليجية للربط الكهربائي لم تشهد أي من دول المجلس انقطاعات، بما في ذلك في حالات ارتفاع الطلب لمستويات قياسية.
لقد ساهم ذلك بصورة كبيرة في استقرار عمل الشركات وقطاع الأعمال في دول المجلس، كما أنه وفّر دخلاً مهماً لدول الفائض بفضل تصدير الطاقة الكهربائية التي لا يمكن تخزينها عملياً، وهو ما استفادت منه كافة دول المجلس دون استثناء وشكّل تحولاً لمستقبل الطاقة في هذه الدول.
والحال، فإنه كان من المتوقع أن يتم البناء على هذه التجربة المهمة، إلا أن الأمور لم تسر في هذا الاتجاه فيما يتعلق ببقية أوجه التعاون في مجال البُنى التحتية الخليجية المشتركة وبقيت جامدة على مدى عقدين من الزمن، وهي مدة طويلة، علماً بأنه تم اتخاذ قرارات عديدة من قبل الدورات السنوية للمجلس الأعلى، كإنشاء القطار الخليجي من خلال بناء شبكة متكاملة للسكك الحديدية، وكذلك الربط المائي بين دول المجلس والذي يمثل مسألة حيوية بالغة الأهمية بسبب الظروف المناخية والجيوسياسية في منطقة الخليج العربي.
والحقيقة أنه لا توجد مبررات لعدم إنجاز هذه وغيرها من المشاريع، كشبكة الغاز الخليجية مثلاً، فالتمويل متوفر والجوانب الفنية كذلك، أما الجدوى الاقتصادية فإنها متعددة ومنعشة للاقتصادات الخليجية، مما يعني أن المسألة تقف عند مستواها الإداري، فالأمر بحاجة لقرارات إدارية، بدليل ما تم اتخاذه حتى الآن بشأن القطار الخليجي، والذي كان مقرراً استكماله في عام 2017، حيث أشرفت كل من الإمارات والسعودية على استكمال الشبكات الداخلية الخاصة بها، في حين ما زالت بعض الدول في طور الإعداد للمسارات الخاصة بالقطار، كما غيرت دول أخرى هذا المسار عدة مرات، علماً بأنه لم تُتَّخذ أي خطوات عملية في دول أخرى.
أما مشروع الربط المائي فإنه شبه مجمد تقريباً، في الوقت الذي تشتد الحاجة إليه، لما يمثله من أمن مائي لكافة دول المجلس، في الوقت الذي لم يتخذ فيه قرار بشأن شبكة الغاز والتي تزداد أهميتها للاقتصادات الحديثة، وذلك إذا ما استثنينا قراراً اتُّخذَ بشأن إقامة شبكة للغاز بين ثلاث دول، لكنه مشروع لا يزال في طور الإعداد.
وبما أن عملية التنمية الخليجية تكتسب زخماً جديداً مع تعافي أسعار النفط، فلربما تتيح الجولةُ الحاليةُ من ارتفاع الأسعار إمكانيات كبيرة لاستكمال إنجاز مشاريع البنى التحتية الخليجية المشتركة والتي ستشكل نقلةً نوعية أخرى للاقتصادات الخليجية وتقدم نموذجاً آخر للنجاح. إلا أن ذلك يتطلب سرعةَ اتخاذ قرارات إدارية على مستوى الدول، كما يتطلب من الأمانة العامة لمجلس التعاون المساهمةَ بفعالية في الدفع باتجاه استكمال هذه المشاريع وتذليل العقبات الإدارية التي يمكن حلها بالنسبة للمشاريع المؤجلة، والمبادرة لطرح مشاريع جديدة لا تقل أهمية للتنمية الخليجية المستقبلية وللاستقرار الاقتصادي والأمني والمجتمعي لدول المجلس. 

*خبير ومستشار اقتصادي