تسارع التضخم الأساسي من جديد أطاح فحسب بأفضل سيناريو لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي. وهو ما قد يساعد في تفسير عمليات البيع الواسعة في السوق في أعقاب البيانات التي تشير إلى أن الاحتياطي الاتحادي لن يتوقف على الأرجح عن الزيادات القوية في أسعار الفائدة قريباً. لكن الحالة الافتراضية الأساسية للسياسة النقدية، أي بلوغ سعر الفائدة النهائي للاحتياطي الاتحادي 4% بحلول أواخر عام 2022 أو أوائل عام 2023، لا تزال سليمة إلى حد كبير على الرغم من كل الاضطراب في السوق. 
وقفز المؤشر الأساسي لأسعار المستهلك، والذي يستثني الأسعارَ المتقلبةَ للمواد الغذائية والطاقة، بنسبة 0.6% في أغسطس المنصرم ليصعد متسارعاً إلى 6.3% مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي. لكن الإصدار الأساسي من مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الذي يستخدمه الاحتياطي الفيدرالي لتحديد التضخم بنسبة 2% يرجح أن يتباطأ إلى نحو 4.3%، وفقا لآنا وونج، الباحثة البارزة في الاقتصاد الأميركي في بلومبيرج إيكونوميكس التي عدلت سلة مؤشر أسعار المستهلك لتضاهي نفقات الاستهلاك الشخصي. ويتماشى هذا بالفعل مع ما قدره الاحتياطي الاتحادي لما سيكون عليه الإنفاق الاستهلاكي الأساسي في الربع الرابع، وفقاً لموجز التوقعات الاقتصادية لشهر يونيو. ومن بين أمور أخرى، تعطي نفقات الاستهلاك الشخصي وزناً أقل للإسكان والسيارات. وعلى الرغم من الصدمة الكبيرة التي سببتها أرقام يوم الثلاثاء (13 سبتمبر) للسوق، فقد يتراجع الاحتياطي الاتحادي خطوةً إلى الوراء ويدرك أنها لا تتغير كثيراً على الفور. ولنأخذ في الاعتبار الطريقةَ التي وصف بها كريستوفر والر، العضو في مجلس محافظي الاحتياطي الاتحادي، ترتيب قرارته يوم الجمعة (9 سبتمبر) في جلسة أسئلة وأجوبة لمعهد الدراسات المتقدمة في العاصمة النمساوية فيينا. فقد قال إنه في السيناريو الأول، أي إذا اتبع فيه التضخم موجز التوقعات الاقتصادية لشهر يونيو، ف«في هذه الحالة، سأدعم ارتفاع سعر سياستنا بالقرب من 4%». ومضى يقول إنه في السيناريو الثاني، أي إذا لم يتباطأ التضخم أو ارتفع أكثر، «إذن، من وجهة نظري، سيتعين على الأرجح دفع سياسة سعر الفائدة فوق 4% بكثير». وأضاف أنه في السيناريو الثالث، أي إذا تباطأ التضخم بسرعة، «ففي رأيي، قد تصل سياسة سعر الفائدة إلى الذروة عند أقل من 4%». 

ووالر ليس إلا صوتاً واحداً في اللجنة الاتحادية للسوق المفتوحة التي تحدد معدل الفائدة، لكن من المرجح أن تلقى هذه النظرة صدى لدى الناخبين الآخرين. ومن الواضح أن نفقات الاستهلاك الشخصي ما زالت تتبع السيناريو الأول، على الرغم من أن احتمالية حدوث السيناريو الثاني تتزايد فيما يبدو على حساب السيناريو الثالث. ومن الواضح أن تقرير الثلاثاء ليس كله مشرقاً ووردياً. فهو يؤكد أن الولايات المتحدة ما زالت في خضم نوبة تضخم لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير. وسيتوقف الكثير على عوامل من المحتمل ألا يستطيع الاقتصاديون وضعَها في نماذج، بما في ذلك تطورات الحرب في أوكرانيا ومدى برودة الشتاء التي تدفع لزيادة الطلب على الكهرباء. والمستفاد الأساسي من تقرير مؤشر أسعار المستهلكين الصادر يوم الثلاثاء هي أن التضخم ما زال مرتفعاً وعلى نطاق واسع (نحو 70% من جميع الفئات ترتفع على أساس شهري بمعدل 4% أو أعلى) ويرجح أن يبقي هذا الاحتياطي الاتحادي جريئاً نسبياً. 
ولن تعمل دائماً ميزةُ الترجيح لصالح نفقات الاستهلاك الشخصي أيضاً. وتميل كلفة الإسكان كما تم قياسها من خلال تلك المقاييس إلى إدخال البيانات متأخرةً لعدة شهور.
ومن شبه المؤكد أن يؤدي ارتفاع التضخم في الإسكان إلى ممارسة ضغط تصاعدي حتى عام 2023. لكن في وقت لاحق من العام المقبل، إذا كان تضخم الإسكان معتدلاً وظل تضخم الرعاية الطبية ثابتاً، على سبيل المثال، قد تنقلب العلاقة. 

وتتمتع الولايات المتحدة أيضاً بسوق عمل قوي للغاية يؤدي إلى ارتفاع الأجور، ما قد يعني أن تنقل الشركاتُ الكلفةَ المرتفعةَ إلى المستهلكين. وعلى المدى القريب، هناك احتمالية لمراجعة توقعات الاحتياطي الاتحادي لنفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية بخفضها هذا العام وزيادتها العام المقبل، كما أخبرتني وونج.
وهناك دائماً خطر في الإسراف في تحليل بيانات التضخم بحثاً عن بارقة أمل. وأعلن رئيس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول أنه يريد أن يرى «سلسلة» تقارير أفضل عن التضخم قبل أن يفكر حتى في تغيير استراتيجيته الصارمة بشأن التضخم، وأن لوحة النتائج أُعيدت إلى الصفر، على الأقل فيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلك. لكن تقرير يوم الثلاثاء يمثل شهراً آخر من بيانات الاقتصاد المتقلب، والاتجاه طويل الأجل بشكل عام يتماشى فيما يبدو مع ما كان يتوقعه الاحتياطي الفيدرالي منذ شهور. وقد تساعد أحدث البيانات في القضاء على حالة الصعود للسوق، لكن لم يحن الوقت للقضاء على الحالة الافتراضية الأساسية أيضاً. 

ينشر بترتيب مع خدمة واشنطن بوست سينديكيت