قبل أسبوعين، كتبتُ تقريراً إخبارياً ظننت بكل سذاجة أنه عادي ومن المستبعد أن يثير ردود فعل كثيرة.

فقد كان يبدو من المحتمل أن التقديرات الأولية للناتج المحلي الخام خلال الربع الثاني من العام ستكون سلبية وأن الكثير من الأشخاص سيقولون إن هذا يعني أن الولايات المتحدة باتت في حالة ركود اقتصادي. ولهذا أمضيتُ بعض الوقت في شرح لماذا لا نستخدم «رُبعَيْن سلبيين» لتعريف فترات الركود الاقتصادي؟

ولماذا لا تُعد أميركا في حالة ركود. ولكن ما أغباني. ذلك أنني تلقيتُ على الفور أكبر كمية من رسائل الكراهية عبر البريد الإلكتروني أتلقاها في حياتي منذ حرب العراق، رغم أن عددها تناقص تدريجياً بعد أن أعلن العديد من الاقتصاديين الآخرين والمؤسسات أننا لسنا في حالة ركود اقتصادي – ليس بعد، على كل حال – قبل أن تختفي تقريباً بعد صدور تقرير الوظائف الكبير يوم الجمعة.

ولكن إذا وضعنا موضوع غياب الركود جانباً، فإن أحد الأسئلة التي تطرح علي هو: ما الذي حدث لـ«طفرة بايدن الاقتصادية» التي تنبأتُ بها – إلى جانب كثير من الاقتصاديين الآخرين؟ والجواب هو: لقد حدثت! ولكن الأميركيين لا يشعرون بها، ومن المهم أن نتساءل: لماذا؟ إذن، لنبدأ بالطفرة. ولنتأمل الوظائف التي كسبناها منذ «يوم التنصيب» في عهد جو بايدن.

بالطبع، كان هناك انخفاض في التوظيف خلال عام 2020 جراء الإغلاق المؤقت لجزء كبير من الاقتصاد بسبب وباء كوفيد- 19. ولكن أحد الأشياء التي لاحظت أن الكثيرين لم يكتبوا عنها هو أن نمو الوظائف في عهد بايدن كان جد سريع لدرجة أن الاقتصاد أضاف وظائف أكثر خلال الـ18 شهراً الماضية مما أضيف خلال الأشهر الـ37 الأولى لدونالد ترامب - أي قبل بداية ركود الوباء. إنني لا أقصد أن بايدن يستحق كل الفضل في هذه الطفرة في الوظائف.

فعندما تولى منصبه، كان الاقتصاد الأميركي منخرطاً في عملية استعادة كثير من الوظائف التي فُقدت بسبب الجائحة، وإن كانت البطالة قد انخفضت بسرعة أكبر مما توقعه معظم المتنبئين في أواخر 2020.

ولكن الأمر يتعلق بموضوع مثير للجدل وغير ذي صلة، على كل حال: ذلك أن الرؤساء كثيراً ما يتلقون الإشادة أو اللوم عن تطورات اقتصادية لا علاقة لها بسياساتهم. ولكن، لماذا لا يحصل بايدن على الإشادة عن «طفرة بايدن»، والتي هي شيء حقيقي؟ جزء من الجواب هو أن الناس ربما لا يعرفون عنها شيئاً. إذ تشير بعض استطلاعات الرأي إلى أن الجمهور قد لا يكون مدركاً لحقيقة أننا نخلق وظائف أصلاً، ناهيك عن أننا نخلقها بوتيرة قياسية. ثم إننا نعيش في بيئة تتسم بكثير من التعصب الحزبي، حيث يستطيع السياسيون بالطبع ادّعاء أشياء غير حقيقية وجعل أنصارهم يصدّقونها.

فمؤخراً فقط، قال ترامب لحشد من الناس إن سعر البنزين في كاليفورنيا وصل إلى 8.25 دولار للغالون الواحد، ولا أحد ضحك. (كان سعر البرميل في الواقع 5.43 دولار يومئذ). غير أن هناك بالطبع جانباً أسود حقيقياً في طفرة بايدن، ألا وهو التضخم. والناس يكرهون التضخم حقاً. وربما يكرهونه حتى لو كانت أجورهم مواكبة له. وهم بكل تأكيد يكرهون عندما ترتفع الأسعار بوتيرة أسرع من الأجور، فتنخفض القوة الشرائية لمداخيلهم.

والحال أن التضخم فاق الأجور سرعة منذ أن تولى بايدن منصبه، فصحيح أن التشغيل مرتفع جداً، ولكن الأجور الحقيقية لأولئك الذين لديهم وظائف انخفضت. ونستطيع أن نتجادل حول ما إن كان هذا الأمر سيئاً بما يكفي لتبرير السلبية الكبيرة للرأي العام بشأن بايدن والاقتصاد، ولكنه بكل تأكيد شيء سيئ.

إن الانتقاد الكبير لسياسة بايدن الاقتصادية، التي لديها مبررات كثيرة، هو أن الإنفاق الكبير الذي حدث العام الماضي أدى إلى الكثير جداً من طفرة بايدن، التي أدت بدورها إلى ارتفاع في التضخم الأساسي، ونتيجة لذلك، ليس لدى «الاحتياطي الفيدرالي» الآن أي خيار سوى الضغط على الاقتصاد بمعدلات فائدة أعلى إلى أن ينخفض التضخم. ولكن هذا الخطأ في السياسة، إذا جاز لنا وصفه كذلك، ليست له أي علاقة بأسباب استياء الأميركيين على الرغم من طفرة الوظائف. فالتضخم نما بشكل أسرع من نمو الأجور، ولهذا انخفضت الأجور الحقيقية بشكل مهم.

إنني لا أقول إن على الأميركيين ألا يهتموا إلا بالتضخم الأساسي، إذ ما يهم الأسر هو تكلفة المعيشة، بكل مكوناتها. غير أن مكون التضخم الذي يثير قلق الأميركيين أكثر من أي شيء آخر - التضخم أسرع من نمو الأجور – هو في الغالب الأعم نتيجة قوى لم تكن مدفوعة بالسياسة الاقتصادية الأميركية، مثل أسعار السلع المتداوَلة عالمياً. بعبارة أخرى، إن الأسباب التي تجعل الناس يشعرون باستياء كبير بشأن الاقتصاد الأميركي لها علاقة قوية بأحداث خارج سيطرة الولايات المتحدة.

هذا لن يمنع الناخبين من معاقبة «الديمقراطيين» عن التضخم، وإنْ كانت الاحتمالات الأكبر هي أننا سنرى، خلال العقود القليلة المقبلة، تراجعاً عما حدث خلال العام ونصف العام الماضيين: ذلك أن نمو الوظائف ربما سيتوقف، ولكن الكثير من الأسعار ستنخفض، وخاصة الجازولين، الذي انخفض يوم الثلاثاء إلى متوسط يناهز 4 دولارات للغالون. وعلى كل حال، فإن خلاصة القول هي أن طفرة بايدن الاقتصادية كانت حقيقية. وكل ما هناك أن التضخم غطى عليها، التضخم الذي لم تكن لمعظمه أي علاقة بالسياسة الأميركية.

*أكاديمي أميركي حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/08/09/opinion/biden-boom-recession-inflation.html