تحتفل دولة الإمارات العربية المتحدة كل عامٍ باليوم الوطني السعودي بتصريحاتٍ رسمية من أعلى هرم السلطة في البلاد ومن المسؤولين والجهات الحكومية المتعددة وبأنشطةٍ ومبادراتٍ شعبيةٍ تعبّر عن فرحٍ حقيقيٍ لا تخطؤه عينٌ ويصادف الإنسان في كل مكان. مشتركات التاريخ ومحبة الشعوب والمجتمعات محفزات لبناء التحالفات، واللغة الواحدة والثقافة والتقاليد، والعادات والأعراف، كلها مجتمعةً تشكل أسساً راسخةً يمكن البناء عليها وتطويرها، ولكن بشرطين مهمين ورئيسيين، وعي القيادات والمصالح الكبرى.

كل هذه المشتركات متوفرة في بعض الدول العربية، وبين بعض دول العالم المختلفة على أسس مشابهةٍ، ولكنّها تقود إلى طريقين: الأول، التعاون والتكامل بشرطي الوعي والمصلحة، والثاني، الصراع والعداء، على طريقة «العداوة بالقرب» وكلما كنت أقرب كنت أخطر، نموذج الأول هو النموذج الإماراتي السعودي، ونماذج الثاني متعددة، ومنها العداوة التاريخية بين نظامي البعث العربي الاشتراكي في العراق وسوريا.

الصراع من طبائع البشر والأمم والدول، ولكن الأمم القوية والحية إنساناً ودولاً تتجاوزه بالعلم والوعي والمصلحة وتفتش عن سبل السلام وأسس التعاون وآمال الإنجاز والنجاح عبر التكامل والتحالف، لا الصراع والتخالف، وفي علاقات الدول شرقاً وغرباً، ماضياً وحاضراً، لم يعن التحالف تطابقاً ولم يفد التعاون اندماجاً، وفي العالم المعيش نماذج لا تحصى لهذه التحالفات الناجحة.

الأمثال تقرب الأفكار، في القرن العشرين استحكم العداء بين ألمانيا وفرنسا، وانتصرت ألمانيا في الحرب والحرب دولٌ، ولم تمض سنواتٌ حتى انتصرت دول «الحلفاء» أميركا وبريطانيا وفرنسا و«الاتحاد السوفييتي» في مرحلة معينة على دول «المحور» ألمانيا وإيطاليا واليابان، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أعيد تشكيل المشهد الدولي مجدداً.

في الحرب الباردة أصبح في العالم محوران جديدان، الشرق والغرب، «حلف وارسو» و«حلف الناتو»، وكانت ألمانيا وفرنسا دولتين حليفتين رئيسيتين في «حلف الناتو» ثم تطوّر الأمر وأصبحت الدولتان قائدتي «الاتحاد الأوروبي» وتبنتا سياساتٍ مشتركة لتعزيز مكانة أوروبا سياسياً واقتصادياً وعلى كافة المستويات، وقد نجحت الدولتان في مواجهة كثيرٍ من التحديات التي واجهت «الاتحاد الأوروبي» ومنها «البريكست البريطاني».

النموذج السعودي الإماراتي في العلاقات نموذج ناجح ومظفرٌ، وله قصة تستحق أن تُروى، فعلى الرغم من تنوع المصالح إلا أن وعي القيادات المتقدم استطاع بسهولة تجاوز ذلك إلى المشتركات الكبرى والمصالح العظمى، في «محور الاعتدال» وفي قيادة ودعم «استقرار الدولة» في مواجهة «استقرار الفوضى» وفي مواجهة «الخطر الأصولي» و«الإرهاب» وفي نشر «التسامح» و«التعايش» وفي «التحالف الإسلامي العسكري» وفي «التحالف العربي» في اليمن، وفي «أسواق الطاقة» العالمية، وفي بناء نموذج دوليٍ جديدٍ في التعامل مع صراع القوى العظمى الذي احتدّ مؤخراً وتصاعد بشكل غير مسبوقٍ منذ عقودٍ.

التشغيب على أي علاقاتٍ بين الدول ممكنٌ، وخصوم العلاقات فوق المميزة في السعودية والإمارات لا يكلّون ولا يملّون، ولكنّهم يبوؤون بالخسارة في كل مرةٍ، ومع مرور السنوات الطوال والعقود من الزمن وخيبت المساعي يعاودون الكرة ويتجرعون الخسارة.

السفير السعودي في الإمارات تركي الدخيل عبّر بصدقٍ عن السعوديين المقيمين في بلدهم الثاني حين قال في ختام كلمته: «وصدَقَ من قال إنّ السعودي إماراتي والإماراتي سعودي فإنّ من ينظر بعين الأخوة، وببصيرة المحبة الصادقة، سيرى أن في ليوا شيئاً من الثمامة وفي الظفرة كثيراً من نجد وفي حفيت ملامحَ من طويق وفي قصر الحصن نفحاتٍ من المصمك وفي كلِّ شيءٍ من هنا ألفُ شيءٍ من هناك، فلا غرو أن نقول نحن أنتم، وأنتم نحن، فنحن معاً وأبداً أبناء زايد وأحفاد عبد العزيز».

* كاتب سعودي