توجد بريطانيا في وضع اقتصادي صعب جداً، فاقتصادها، وعلى غرار الاقتصاد الأميركي، يعاني على نحو خطير من حرارة مفرطة، مع كميات مهمة من التضخم الناتج عن ارتفاع الطلب الداخلي. وخلافاً لأميركا، يواجه الاقتصادُ البريطانيُ الضغطَ الكاملَ لأزمة الطاقة الأوروبية الناجمة عن الخلاف مع روسيا التي تحاول استخدام الغاز الطبيعي للضغط على الغرب ودفعه إلى التخلي عن أوكرانيا. 
والواقع أن الكثيرين منا توقعوا أن يجتاز الاقتصاد البريطاني فترةً عصيبةً خلال الأشهر والسنوات المقبلة. لكن ما لم تتوقعه سوى قلة قليلة منا هو كارثة زومبي كبرى بخصوص السياسة الاقتصادية.
لقد سبق لي أن كتبتُ مراراً، وعلى مدى السنوات السابقة، حول أفكار «زومبي» الاقتصادية، وهي أفكار فشلت مراراً وتكراراً في الواقع ويفترض أن تكون ميتة، لكنها ما زالت موجودةً بصورة ما تؤرق صناع السياسات. ولطالما كان «الزومبي» الأبرز في الخطاب الاقتصادي الأميركي هو الاعتقاد بأن خفض الضرائب على الأغنياء سيخلق معجزة اقتصادية. هذا الاعتقاد ما زال موجوداً إلى اليوم. وعلى سبيل المثال، فحتى في الوقت الذي كانت فيه بنيتها التحتية تنهار لدرجة أن أكبر مدينة فيها لم تعد تتوافر على مياه جارية، حاولت ولاية ميسيسيبي تحسين أوضاعها الاقتصادية من خلال خفض الضرائب. لكن اللافت في أميركا هو أن اقتصاديات الزومبي توارت مؤخراً وراء معتقدات وأفكار زومبي سياسية تتعلق بتزوير الانتخابات، وتأثير الهجرة، وما إلى ذلك. 

غير أن بريطانيا ليس لديها حتى الآن ما يعادل حركة «ماغا» (و«ماغا» هي اختصار لشعار ترامب «لنجعل أميركا عظيمة من جديد»). وما لديها هو ليز تراس، رئيسة وزراء جديدة تبدو من أكثر الساسة البريطانيين إيماناً بأفكار اقتصادية متجاوزة تعود لعهد تاتشر/ريجان. 

وقبل أن أخوض في الخطة الاقتصادية التي أدت إلى الفوضى في أسواق السندات والعملات البريطانية، لنتحدث قليلاً عن الأساطير التي يبدو أنها ألهمتها. 
النقطة المهمة التي ينبغي فهمها هي أنه ليس هناك نقاش جدِّي حول الفكرة التي مفادها أن خفض ضرائب الأغنياء يؤدي إلى زيادة قوية في النمو الاقتصادي. والحقيقة هي أنه ليس ثمة أي دليل على صحة هذه الفكرة. 
وبالطبع، فإن اليمينيين الذين نشؤوا على أسطورة «القديس ريجن»، يؤمنون بأن خفض الضرائب حقق معجزات بالنسبة للاقتصاد الأميركي، غير أن الأرقام والبيانات لا تؤيد ذلك. 
يوم الجمعة الماضي، أعلنت حكومة تراس عن خطط لخفض كبير للضرائب، ومن ذلك خفض 5 نقاط مئوية في معدل الضريبة على أصحاب المداخيل الأعلى وإلغاء زيادة كان مخططاً لها في الضرائب على الشركات. وعلى نحو غير مألوف، وُصفت هذه الخطط باعتبارها «حدثاً مالياً» وليس ميزانية، ما سمح للحكومة بتجنب تقديم توقعات جبائية أو اقتصادية مفصلة.. توقعات كانت لتأتي من دون شك مخيفةً أو سخيفةً أو هما معاً. لكن على الرغم من كل الأدلة التاريخية التي تفيد بالعكس، فإن المسؤولين شددوا على أن من شأن خفضهم الضريبي تحقيق أشياء عظيمة للاقتصاد البريطاني. 
وبالطبع، فإني لا أصدّق تطميناتهم. والأهم من ذلك هو أن الأسواق المالية لا تصدّقهم أيضاً. فقد ارتفعت معدلات الفائدة نتيجة توقع ازدياد الإنفاق الحكومي، بينما انخفضت قيمة الصرف الأجنبي للجنيه الإسترليني. 
والواقع أن أي واحدة من حركات السوق هذه كانت ستمثّل، لوحدها، مؤشراً على أن المستثمرين يعتقدون بأن حكومة تراس لا تعرف ما تفعله. غير أن حدوثها معاً وبشكل متزامن أمرٌ ينذر بالسوء من دون شك. 
والحال أنه حينما تسجل البلدان المتقدمة عجزاً كبيراً في الميزانية، نتوقع من عملاتها عادةً أن تنهض. وذلك لأننا نتوقع من بنوكها المركزية أن ترفع معدلات الفائدة من أجل تعويض التأثير التضخمي لعجز الميزانية، ومعدلات الفائدة الأعلى هذه تميل إلى جذب مزيد من الاستثمار الأجنبي. وهذا في الحقيقة ما حدث في عهد ريجان، حيث أدى ارتفاع عجز الميزانية –الذي تسبب فيه خفض الضرائب وزيادة الإنفاق العسكري– إلى دولار قوي جداً. 
غير أن الأسواق البريطانية، في الوقت الراهن، لا تتصرف مثل أسواق بلد متقدم، وإنما تتصرف مثل أسواق بلد نامٍ، يميل فيه المستثمرون إلى النظر نحو عجز الميزانية باعتباره مؤشراً على انعدام المسؤولية ونذيراً بكارثة سياسية في المستقبل. 
وربما تبالغ الأسواق في فعل ذلك حالياً. فبريطانيا ليست هي الأرجنتين، وهي بكل تأكيد تمتلك القدرة الاقتصادية والإدارية، وربما السياسية أيضاً، لتغيير الأوضاع. غير أن حقيقة أن الأسواق تعاملها كما لو كانت الأرجنتين، إنما يُظهر أزمة الثقة الكبيرة جداً التي تكونت مؤخراً في غضون بضعة أيام فقط. 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2022/09/23/opinion/uk-truss-tax-cut-economy.html