سياسياً، باتت أوروبا بين مطرقة أوكرانيا وسندان فشل تقليديتها الدبلوماسية في احتواء الأزمة. أما ما لحق بخطوط إمداد الغاز نورد ستريم 1&2 فهو ليس بالفصل الأخير في أزمة تتعمق لحظياً، يعبر عنها مفهوم جديد في الاستباحة السياسية لكل ما تعارفت عليه أوروبا في إدارة أزماتها. إلا أن تأثيراتها وما سببته من صدمة للإنسان الأوروبي من قلق مخافة أن يطال التقنين الخبز والزيت بعد الطاقة.

الأوروبي يعيش حالة صدمة حقيقية، فهو يرى أزمةً تُنذر بالأسوأ، ومعاودة صعود اليمين نتيجة فقدان ثقة الناخب الأوروبي بالليبرالية «الأوروبية»، والتي أوصلته مهادنتاها إلى ما هو عليه اليوم. أو أن تحاكي حالة التقشف ما عاناه الإنسان الأوروبي بعد نهاية الحرب العالمية الثانية والقلق من المستقبل، أو كيفية تفسير جملة سياسيات حالة حرب دون إعلان لحالة حرب. الأمن مقابل البحبوحة، هو ما فشلت القيادات الأوروبية في إقناع قواعدها الشعبية، أو الرأي العام الأوروبي به، فالأمن يستوجب التعريف بالمنظور. والسؤال عن أي أوروبا تتحدث أوروبا، هل هي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أو أوروبا ما قبل سقوط الاتحاد السوفييتي؟

لذلك يتعين على الأوروبيين أولاً حسم أمرهم في التعريف بأوروبا الحاضر أو المستقبل، فأوروبا التاريخية تمتد إلى روسيا البيضاء، إن كان بوتين يتحدث عن روسيا التاريخية.

قرار ضم أقاليم أوكرانيا الشرقية يمثل تصعيداً في توظيف محرك إضافي للأزمة، فهنا نحن أمام استعادة ما أسماه الرئيس بوتين «جزء من روسيا التاريخية»، في حين أن مواطني هذه الأقاليم يطالبون بما هو أكثر من جغرافيا أوكرانيا، وصولاً لأن يكون نهر دنيبرو حدودها الطبيعية الفاصلة بين الولايات الجديدة وأوكرانيا. ومع صعوبة التسليم بالأمر الواقع، إلا أن المناورة التي أقدم عليها الرئيس بوتين يوم الجمعة تضيف تعقيداً لأزمة بالغة التعقيد.

ما تمثله الخطوة الروسية، بالإضافة إلى ما لحق بخطوط إمداد الغاز الروسي لأوروبا، سوف يستنزف الأوروبيين دون سواهم، فهي أكبر الأطراف معاناة نتيجة أزمة الطاقة.

فهل ستجبر التطورات الأخيرة أوروبا على إعادة التفكير في مفهوم أمنها الاستراتيجي وعلى رأسها أمن الطاقة، وهل سيمثل المتوسط مركز ذلك التحول. مصادر الطاقة المتاحة أو الكامنة في المتوسط هي الأقرب لأسواقها. أما ثانياً، فالمتوسط جزء من أمنها المباشر، ومصادر دول حوضه هي ما يمكن أن يوفر أمن الطاقة المستدام بكل أشكاله (المتجدد والأحفوري).

على أوروبا أن تغادر الاجتهاد السياسي ومعاودة الاتصال بالواقع من خلال توظيف أدوات ضمان الطاقة كمطور لكل مصادرها وليس مشترياً لها، وحوض المتوسط والشرق الأوسط يجب أن يكون محور ذلك التحول.

* كاتب بحريني