العقيدة لغةً مأخوذة من الفعل «العقد»، نقول عقد البيع واليمين والعهد، أي أكّده ووثّقه، وعقد حكمه على شيء أي ألزمه. أما معناها اصطلاحاً -في الإسلام- فهي التصور الكلي اليقيني عن الله الخالق، وعن الكون والإنسان والحياة، أي الإيمان الذي لا يشوبه شك ولا تخالجه شبهة. وعليه، فالعقيدة هي عقد روحاني وثيق بين العبد وربه (فقط)، وعلاقة بين العبد وبين تعاليم دينه وشرائعه التي أنزلها الرب كالصلاة والصوم والحج الخ.
الإسلام في صورته النقية كما أُنزل على سيد الخلق نبي الله محمد، صلى الله عليه وسلم، قائم على العقل الذي هو مناط التكليف، وعليه فقد رفع الله التكليفَ عن مَن لاعقل له، فالعقل هو الفارق الفاصل بين الإنسان وباقي المخلوقات وهو الوسيلة التي كُرِّم لأجلها الإنسان وأُمر على إثرها بعمارة الأرض والسعي في مناكبها وتشييد آفاق جديدة للحياة في كل حقبة ومرحلة زمنية، وفتح باب الاجتهاد في الدين لتسهيل الحياة بحسب الظرف الزماني لكل الحقبة.. فلم يأمرنا الله مطلقاً بالارتهان إلى الماضي على نسق لا يتناسب وحياتنا المعاصرة كالتسليم بفتاوى كانت سائدةً قبل قرون ليتم تطبيقها في عصر لا تتسق هذه الفتوى مع معطياته وظروفه. 
تعرَّض الإسلام في حقب مختلفة للكثير من المتغيرات والحروب والمصالح التي حاولت تشويه جوهره وتحويله من رسالة سماوية سامية ونور يُهتدى به إلى رسالة عنف داخل فضاء تَصارُعي احترابي، وبالأخص خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة حيث ساد العنف والقتال بمسوغات دينية في ظاهرها وأهداف سياسية صرفة في جوهرها، وحين يحل العنف يحل التطرف العقدي بقوة لا تقل عنه فتغدو العقيدة رهن المكتسبات السياسية أو «دولة الخلافة» التي أُريقت على تخومها دماء كثيرة. فالفتاوى التي تناقلتها كتبُ التاريخ الإسلامي خلال القرون الدامية، والتي انفتحت على فضاءات تأويلية لا يمكن حصرها فرضتها عليهم تحديات الواقع الدامي، هي ذاتها الفتاوى التي يحاول أن يُلزمنا البعضُ بتطبيقها اليوم.. أليس هذا الأمر صادماً؟ إنه كذلك، ولكن الصادم أكثر هو أن تلك الفتاوى طُبقت عملياً حين تم الزج بشباب مجتمعاتنا في حروب ومعارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، تحت رايات الدين ونداءات الجهاد ونصرة الإسلام وأهله ودولة الإسلام.. إلخ! فكل الدول العربية والإسلامية القائمة لا تعد دولا مسلمة في منظور أباطرة الإسلامويين، بل مجرد حفنة من تراب يجب أن تجتمع تحت لواء دولة واحدة يحكمها مَن حرَّفوا الإسلام ونزعوا جوهر الدين وشوّهوا سماحته وضيعوا مفهوم العقيدة الصحيحة التي لا ينبغي أن يكون موضعها قلب المسلم تجاه ربه!
لقد أدركت دولُنا خطر الإسلام السياسي مبكراً، والمنبثق كامتداد لعصور غابرة من العنف والقتل والإرهاب، فحاربت كل أشكال التطرف وكل فكر يفضي إلى هذه الممارسات الباطلة، وكلَّفها ذلك أثماناً كبيرةً، في الأرواح والأموال، لذلك فنحن نؤرخ اليوم لحقبة من الوعي الديني المعاصر المعتدل الذي يسود بعض أوطاننا العربية والخليجية.. لكن البعض الآخر لا يزال تحت وطأة ذلك التاريخ المأزوم بفتاوى العنف والكراهية، ويقظتُه من ذلك الواقع ستكون، بلا شك، مكلفةً للغاية. 

*كاتبة سعودية