يواجه الاقتصاد الأوكراني تحدياتٍ اقتصادية بالغة، أهمها تمويل الحرب، وتنامي عجز الموازنة والدين الخارجي، ومعدلات التضخم والبطالة المرتفعة، وإمكانية انهيار العملة، ووضع قطاع الأسر المعرض للخطر.

وتزداد المشكلات الاقتصادية الأوكرانية سوءاً مع اقتراب أشهر الشتاء؛ حيث تواجه البلاد نقصاً في إمدادات الطاقة. ومع تخفيض الإنفاق الحكومي على السلع العامة الأساسية، وفرض مزيد من الضرائب غير المقبولة في المناخ الاقتصادي الراهن، قد تواجه البلاد أزمة إنسانية.

فقد انكمش اقتصاد البلاد بشكل حاد بـ37.2% في الربع الثاني من 2022، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، مع انهيار البنية التحتية والصادرات والاستهلاك في البلاد، بحسب بيانات صادرة عن مكتب الإحصاءات الأوكراني. وتتراوح توقعات الانكماش الاقتصادي للعام ككل بين 35-45%، وإن كان الأمر سيتوقف على مدة استمرار الحرب وشدتها.

وعلى الرغم من أنّ تصدير الحبوب، وفقاً لمبادرة حبوب البحر الأسود في يوليو 2022، يضخ مليار دولار شهرياً في الاقتصاد الأوكراني، فهذا غير كاف لتغطية العجز في الميزانية، الذي يتراكم بمعدل 5 مليارات كل شهر، وينمو بسرعة، ويمكن مع الوقت أن يحرم المصرف المركزي من احتياطيات العملة الأجنبية اللازمة لاستقرار العملة. ولذلك أبقى المصرف المركزي الأوكراني معدلات الفائدة عند 25%، في سبتمبر الفائت.

ورغم رفع درجة التصنيف الائتماني لأوكرانيا من مستوى التخلف عن السداد إلى «سي سي سي+» مؤخراً، تعتمد قدرتها على سداد ديونها في موعدها على عوامل معظمها خارجة عن سيطرة الحكومة، وتتعلق باستمرار المساعدات الاقتصادية الأميركية والأوروبية. وقد تلقت كييف نحو 13 مليار دولار مساعدة دولية للميزانية منذ بداية الحرب، ومن المتوقع أن تستقبل 14 مليار دولار بنهاية 2023.

ولأن الموقف الاقتصادي يزداد سوءاً، اضطرت أوكرانيا للجوء إلى قروض عاجلة من صندوق النقد الدولي، والتماس مزيد من المساعدات المالية الدولية؛ لدعم الميزانية، وتمويل الخدمات الأساسية، بما في ذلك إمدادات الطاقة للمستشفيات والمدارس ورواتب المدرسين والأطباء وموظفي الحكومة. وفي الأجل القريب، يقترب الموقف الاقتصادي الأوكراني غير المؤكد والمتدهور من مستويات الأزمة، ويتطلب استجابات عاجلة من الحكومة الأوكرانية، وزيادة تدفقات المساعدات الأجنبية، وقروض صندوق النقد الدولي للحؤول دون مزيد من التضخم وانهيار العملة.

وفي الأجل البعيد، فإن تمويل وإعادة بناء المصانع والبنية التحتية والخدمات بعد الحرب سوف يسهم بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي لعدة سنوات. ولكن سوف ترهق البلاد من تسديد ديون إعادة الإعمار لعقود قادمة (وفقاً لتقديرات أوكرانية، تحتاج البلاد إلى نحو 750 مليار دولار لإعادة البناء)، بالإضافة إلى دينها الخارجي الضخم حالياً. علاوة على ذلك، فبرغم أن أوكرانيا سوف تستفيد بلا شك من الروابط الوثيقة مع أوروبا، فإن الالتحاق بالاتحاد الأوروبي عملية طويلة الأمد قد تستغرق 10 سنوات.

وفي الأخير، فإنّ الهجوم المضاد الذي تشنه أوكرانيا منذ أواخر الشهر المنصرم، ونجاحها في استعادة عدة مدن في الشمال والشرق، من المتوقع أن يكون له تأثير إيجابي على الوضع الاقتصادي. بيد أنّ إعلان روسيا ضم أربع مقاطعات أوكرانية (لوهانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا) إليها قد يكون له تأثير مضاد أكبر. كما أنّ نمو الاقتصاد في الأجل الطويل مرهون بانتهاء العمليات العسكرية وانطلاق جهود إعادة البناء.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية