حكم حزب «المؤتمر» الوطني الهند مدة عشر سنوات قبل أن يتولى حزب بهاراتيا جاناتا السلطة تحت قيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي منذ ثماني سنوات. وكان أداء «الحزب الكبير القديم» سيئاً ومخيباً في الانتخابات العامة التي أجريت في 2014 و2019، حيث عجز عن إيقاف القوة الماحقة لحزب بهاراتيا جاناتا بقيادة رئيس الوزراء ذي الشعبية الواسعة ناريندرا مودي. كما رأى الحزب نفوذه يتقلص على مستوى الولايات أيضاً. 
في انتخابات 2019 العامة، حصل حزب «المؤتمر» بقيادة راهول غاندي، سليل عائلة نهرو- غاندي، على 44 مقعداً فقط من أصل 542 مقعداً في الغرفة السفلى للبرلمان الهندي، في مقابل 303 مقاعد فاز بها الحزب الحاكم الحالي بقيادة رئيس الوزراء مودي. وبعد هذه النتيجة القاسية، تحمّل راهول المسؤولية المعنوية عن هذه الهزيمة الثقيلة واستقال من منصبه كرئيس للحزب، فسلّم والدته المريضة سونيا غاندي رئاسة الحزب كرئيسة مؤقتة. ومنذ ذلك الحين والحزب يعاني من الصراع الداخلي وفراغ القيادة. ورغم أن راهول ترك منصبه كرئيس، إلا أنه استمر في قيادة الحزب من دون منصب. وفي غضون ذلك، سعى عدد من أعضاء الحزب إلى إدخال إصلاحات في الحزب، وعبّرت مجموعة من القياديين صراحة عن الحاجة إلى تغيير داخل الحزب وإلى قدر أكبر من الشفافية في إدارة الشؤون الداخلية للحزب. كما كانت هناك انسحابات بارزة من الحزب، وأحدثها انسحاب القيادي غلام نابي آزاد الذي اتهم القيادة الحالية ضمن رسالة استقالته للحزب بتهميش قياديي الحزب. 
المشاكل الداخلية والاقتتال الداخلي ليست جديدة على حزب المؤتمر، الذي يعاني سياسياً منذ 2014 حينما وصل رئيس الوزراء مودي إلى السلطة بعد فوز كاسح، ثم عاد إلى الحكم من جديد في 2019 بتفويض شعبي أكبر. ومنذ استقالة راهول من منصب رئيس الحزب بعد انتخابات 2019، ما فتئ قياديو الحزب يطالبون بتغييرات وبقيادة «متفرغة ومرئية». ولإنهاء الاستياء بين كوادر الحزب بسبب أزمة القيادة، قرر حزب المؤتمر الآن تنظيم انتخابات داخلية لمنصب رئيس الحزب في 17 أكتوبر. ولئن كان الكثيرون داخل حزب «المؤتمر» ربما سيفضلون تولي راهول غاندي رئاسة الحزب، فإن هذا الأخير أكد أنه لن يترشح للانتخابات، ما يعني أن الحزب لن يقوده فرد من عائلة نهرو-غاندي لأول مرة منذ 24 عاماً. 
انتخابات رئاسة الحزب من المتوقع أن تشهد معركة بين ماليكارجون كارجي، وهو عضو رفيع المستوى في الحزب وعضو في الغرفة العليا للبرلمان الهندي، وساشي ثارور، وهو عضو في الحزب وعضو في الغرفة السفلى للبرلمان ووزير دولة سابق للشؤون الخارجية في حكومة رئيس الوزراء السابق مانموهان سنج. وقد أعلنت عائلة غاندي أنها لن تنحاز إلى أي مرشح حرصاً على نزاهة الانتخابات وشفافيتها. وفي الوقت نفسه، أعلن راهول غاندي عن مسيرة مشياً على الأقدام تدوم خمسة أشهر من أقصى نقطة في جنوب البلاد إلى أقصى نقطة في شمالها، في محاولة لإعادة إحياء حظوظ الحزب. 
وهدف الحزب أن يثير تزامنُ انتخابات رئاسة الحزب مع المسيرة حماسَ كوادر الحزب ويوقف الانتقادات داخل الحزب. في هذه المسيرة الطويلة التي تدعى مسيرة «توحيد الهند»، يعتزم راهول غاندي قطع 3570 كيلومتراً، يعبر خلالها عشرات المدن والقرى، وينهي المسيرة شمالاً في مدينة سريناجار، عاصمة ولاية جامو وكشمير. ويعتزم ابن رئيس الوزراء الراحل راجيف غاندي، البالغ 53 عاماً، استغلال هذه المسيرة للتواصل مع الناخبين عبر البلاد، وتسليط الضوء على مشاكل مثل البطالة، والتضخم، وسياسات الحزب الحاكم المثيرة للانقسام. كما تهدف المسيرة إلى التصدي لحزب بهاراتيا جاناتا في وقت يواجه فيه حزب المؤتمر تقلص الفضاء السياسي وسط استمرار شعبية رئيس الوزراء ناريندرا مودي وحزبه. 
وينحدر راهول غاندي من عائلة غاندي- نهرو التي منحت البلاد ثلاثة رؤساء وزراء. فوالده راجيف، وجدته إنديرا غاندي، وجده الأكبر جواهرلال نيهرو كانوا جميعاً رؤساء وزراء للبلاد. ولكن راهول غاندي وجد صعوبة حتى الآن في ترك بصمته في المشهد السياسي الهندي ولم يستطع مضاهاة ناريندرا مودي من حيث الشعبية. وفي الأثناء، يقود حزب بهاراتيا جاناتا هجوماً متواصلاً على سليل عائلة غاندي-نهرو، ويسخر من «سياسة الأسرة الحاكمة»، وهي تهمة يجد حزب المؤتمر صعوبة في التصدي لها.
وتُعد المسيرات السياسية الطويلة سيراً على الأقدام نوعاً من التقاليد في الهند. أكثرها فعالية ونجاحاً كانت مسيرة مهاتما غاندي الطويلة التي قطع خلالها 380 كيلومتراً سنة 1930 ضد البريطانيين، الذين غادروا الهند في سنة 1947. ولكن هذه المسيرات السياسية الطويلة حدثت قبل عصر الإنترنت، وهناك احتمال أن تكون المسيرة على الأقدام جيدة شكلاً، ولكن من دون معنى من حيث المضمون. ومن جهة أخرى، فإن عائلة غاندي- نهرو تُحكم قبضتها على الحزب منذ عقود. ومن غير المرجح أن تفقد تلك القبضة الحديدية على الحزب قريباً. وفي ظل هذه الظروف، يمكن القول إن الانبعاث السياسي لـ«الحزب الكبير القديم» في الحياة السياسية الهندية سيكون مهمةً شاقةً وعسيرةً جداً. 

* رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي