فرضت الحرب الروسية -الأوكرانية تداعيات سلبية عدة على الاقتصاد العالمي، وأربكته بشكل غير مسبوق وأضعفت ثقة المستثمرين والمستهلكين، وعززت عوامل الركود مع ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات خطيرة غير مسبوقة، وذلك وسط ارتفاع تكاليف المعيشة للعديد من الأسر حول العالم، ما اضطر صندوق النقد الدولي إلى التحذير من معاناة 860 مليون شخص من «الجوع»، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي العالمي الذي سيكون مصدر القلق الأكبر في العام المقبل، ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار والتسبب في هجرة جماعية. 
ووفق أحدث تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن الحرب الأوكرانية ستكلف الاقتصاد العالمي 2.8 تريليون دولار من الناتج المفقود بنهاية العام المقبل، مع احتمال طول فترة الحرب وتوسيع نطاقها، وتشديد العقوبات ضد روسيا خصوصا بعدما وصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها بمثابة «إعلان حرب اقتصادية»، ومؤكدا بأنّ موسكو لن تحيط نفسها بـ«سِتار حديدي» مثلما فَعَلَ الاتّحاد السوفييتي،عندما انهارَ في أكبر كارثة «جيوسياسيّة» في القرن العشرين، ولن ينعزل الاقتصاد الروسي عن العالَم. علما أنّه منذ بداية مارس الماضي، تمَّ تصنيف البحر الأسود منطقةً عالية المخاطر.
ومع المتغيرات المرتقبة لهذه الحرب، وحالات الإغلاق في الصين، وما تشهده سلاسل الإمدادات من اضطرابات، ومخاطر الركود التضخمي، واحتمال ارتفاع حدته في العام المقبل، هي ضربات شديدة إلى النمو العالمي. ويرى رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس أنه سيصعب على كثير من البلدان تجنب مخاطر الركود، وتتطلع الأسواق إلى استئناف العمل من جديد، وبالتالي من الضروري تجميع الإنتاج وتجنب فرض القيود التجارية، وإجراء تغييرات في السياسات المالية والنقدية والمناخية وسياسة الديون، وذلك لمجابهة «سوء تخصيص رأس المال وعدم المساواة». ويتوقع البنك انخفاضا في معدل نمو الناتج المحلي العالمي 1.9% عام2023، وبنسبة1%عام 2024، وتراجعاً في النمو العالمي للتجارة من 5.4% عام 2022 إلى.12% عام 2023. 
وفي خضم تلك التطورات السلبية، تبرز أهمية «قوة» الدولار الأميركي الذي أكد صعوده أمام ست عملات رئيسية، حتى أطلق على العام 2022 «عام الدولار»، وهو يخوض حرباً قاسية ضد التضخم، و«حربا باردة» في الاستمرار برفع أسعار الفائدة التي تتراوح حاليا بين 3و3.25%، مع توقع رفعها إلى 4.4% بنهاية العام الحالي، ثم إلى 4.6% في العام المقبل. ويبدو أن الولايات المتحدة وحدها قادرة على خفض جموح عملتها، ولكن مع ارتفاع التضخم، ينظر الاحتياطي الفيدرالي إلى «الدولار القوي» على أنه «نعمة»، خصوصا لجهة قدرته على عزل الاقتصاد الأميركي عن الضغوط التضخمية الإضافية. وعلى رغم أن الاقتصاد الأميركي يقع حالياً تحت أعباء أكبر دين عالمي يتجاوز31 تريليون دولار، فإن «الدولار الأخضر» لا يزال عملة دولية قوية، ويراه المستثمرون «ملاذا آمنا»، خصوصاً بعدما تبين أن أسواق الأسهم والسندات العالمية فقدت نحو46.1 تريليون دولار (تقرير بنك أوف أميركا) من قيمتها السوقية منذ نوفمبر2021، ما يمنح كذلك الولايات المتحدة نفوذا ماليا وسياسيا كبيرا، وقد وصفه الخبراء بأنه «سلاح قاتل» يمكن استخدامه. 

في الحروب الاقتصادية، وقوة ضغط في المعارك العسكرية، مع العلم أن هذا السلاح بدأ يواجه منافسة استراتيجية من عملات أخرى تسعى إلى اقتسام النفوذ معه، ويبرز ذلك بشكل جلي في احتدام الحروب التجارية المتعددة والمتنوعة، وما يرافقها من حروب في أسعار صرف العملات الدولية.
* كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية