تبدو زيارةُ صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة لروسيا (11 أكتوبر 2022) حدثاً تاريخياً يترقب العالَمُ كلُّه نتائجَه المستقبليةَ. ولم يكن سراً أن الزيارة تحمل رسالةَ سلام بهدف التوصل إلى تسوية سياسية تنزع فتيلَ الصواعق التي تهدد العالَمَ كلَّه، وهي خطوة جريئةٌ وشجاعة في وقت أصبح فيه الحيادُ تهمةً من قبل مَن يتبنّون مبدأ «إما معي أو ضدي»، وهو مبدأ يفتقر للحكمة ويلغي مفهوم الحق في الاختلاف.

وعبَّر العربُ عن تمسّكهم بالحكمة حين حافظوا على حقهم في الحياد بين المتصارعين الكبار في حرب لا شأن لهم بها، وهم حريصون على التوازن في علاقاتهم الدولية، مدركين أن احتياجاتهم لتنمية بلدانهم والنهوض بها وحمايتها من أي خطر تقتضي إقامةَ علاقات حسنة مع الجميع والمطالبةَ بالاحتكام للقانون الدولي لحل المشكلات القائمة، وهم لم يتوقفوا يوماً عن مد يد العون والمساعدة لكل الشعوب المحتاجة، ولم يستأثروا بثرواتهم بل جعلوها استثماراتٍ يعم خيرُها على الجميع.

ولدى اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية اتخذ العرب قراراً واضحاً بالحفاظ على استقلالية الموقف وعلى علاقاتهم الدولية المتوازنة، دون عداء لأحد، مما أزعج بعض الدوائر الأميركية التي أظهرت موقفَها الغاضب، خاصةً بعد إعلان منظمة «أوبك+» تخفيض إنتاجها اليومي للنفط بغيةَ الحفاظ على استقرار السوق. لكن جهات أميركية فهمت قرارَ المنظمة على أنه انحياز، وبدأ بعضها في توجيه انتقاداته الخاطئة بحق المملكة العربية السعودية. ولا شك في أن تلك الانتقادات الأميركية تغضب العربَ جميعاً، رغم حرصهم، على بقاء العلاقات مع الولايات المتحدة متينةً ومتبادلةَ المصالح.

والمفارقة، أن بعض الساسة الأميركان يهددون، وكأنهم لا يعلمون أن العرب قادرون اليوم على حماية أنفسهم، وأنه لم تعد تخيفهم الفزاعات المصطنعة التي طالما كان هدفها محاولة إجبار دول المنطقة على طلب الحماية، لاسيما وأن العالم أصبح متعدد الأقطاب، ولا يمكن لدولة فيه، مهما بلغت من القوة، أن تتحكم في مصير البشرية. لقد اضطر العديد من قادة أوروبا إلى مواكبة الولايات المتحدة بدل التوجه إلى إطفاء الحرائق، وبعضهم الآن على أبواب الشتاء القارس نادمون لتسرعهم في تصعيد المواقف، خاصة أنهم فقدوا القدرةَ على لعب دور الوساطة.

ونحن نقدر دوافع خوفهم وقلقهم من وصول النيران إلى بلدانهم، لكن مواقف التأزيم والتصعيد حرمت هذه الحرب من مساعي السلام وفرص التهدئة والحوار. لهذا يُعَدُّ المسعى السلمي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد حدثاً تاريخياً، فحين وصل العالَمُ كلُّه إلى شفا جرف «القيامة»، وسط ضجيج التهديدات النووية بإبادة البشرية وتدمير الكوكب الأرضي عن آخره، كان لابد أن يَظهر وجه الحكمة والعقلانية، الداعي إلى السلم والحلول السلمية وضرورة الاحتكام إلى القانون الدولي، مستفيداً من صداقة متينة مع روسيا، فضلاً عن مكانة دولية عريقة، ومستنداً إلى مبدأ إسلامي شهير «ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد».