العلاقات الدولية تخضع لديناميكية وتفاعل مستمر بين الدول وفقاً للظروف، قصيرة الأمد وطويلة الأمد، وضمن هذا الإطار تبرز المصالح والقيم كجزء من تطور العلاقات بين الدول، وهذا يدفعنا كأفراد لفهم طبيعة تلك العلاقات التي قد نحاول تلخيصها أو تبسيطها بالقول إن دولةً ما تقف مع هذه الدولة ضد تلك.

والحقيقة أن الأمر أكثر تعقيداً، وليس فيه أبيض وأسود فحسب، بل مزيج من التدرجات والتناقضات التي تخضع لظروف قد تكون راهنة مستجدة، لكن دائماً أساس العلاقة بين دولتين يقوم على سلسلة من المصالح المتبادلة التي تعزز تلك العلاقات.

العلاقات الدولية هي حالة الإشكالية المتنامية حالياً بسبب الأزمات المستجدة، خاصةً مع الحديث عن حالة الاستقطاب الذي يخضع له العالَم بسبب الأزمة الروسية الأوكرانية الحالية التي أُريد لها أن تتحول إلى أزمة دولية بين دول «الناتو» وروسيا. ونحن في منطقة الشرق الأوسط، وتحديداً دول الخليج العربية، وجدنا أنفسَنا على تماس مع هذه الأزمة، حيث يتساءل البعض في الشرق والغرب: مع مَن تقف دول الخليج؟

وهل تميل إلى هذا المعسكر أم ذاك؟ وببساطة، ودون مقدمات، فإن دول الخليج تقف في المنتصف، أي مع إحلال السلام ونزع فتيل الحرب.. فهي لها مصالح متشابكة قوية وتاريخية مع دول الغرب ودول «الناتو»، وهذه مصالح وعلاقات استراتيجية لا يمكن أن تتأثر بتحليلات وتصريحات إعلامية هنا أو هناك، ولا حتى بانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي. فكل ما تشاهده على تلك المواقع لا يتعدى زوبعة في فنجان، فالعلاقات المتشابكة والقوية والقائمة على المصالح المشتركة، وكثير من القيم المشتركة أيضاً، لن تتأثر بسهولة جراء تصريح هنا أو تصريح هناك.

وعلى الجانب الآخر فدول الخليج أيضاً لديها علاقات قوية ومتينة مع روسيا التي لطالماً كانت شريكاً استراتيجياً، وهذا لن يفسد لود العلاقات الاستراتيجية قضيةً مع دول «الناتو»، وعلى رأسها الولايات المتحدة. أما نحن في الإمارات فإننا، ودون مواربة، نهدف إلى تعزيز السلام العالمي، وإعادة الأمور لنصابها وإنهاء الصراع وإحلال السلام عبر التفاوض.

فحالة الحرب مهما تعاظمت هي حالة مؤقتة، والثابت هو السلام والعلاقة الطبيعية بين البشر، لذا نسعى بكل طاقتنا لتقريب وجهات النظر، وللدفع نحو إخماد النيران.. وأوضح تجسيد لذلك الزيارةُ التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، لروسيا، الثلاثاء الماضي، والتي جاءت في إطار تعزيز الاستقرار والتنمية وإيجاد حلول سلمية للأزمة. فسياستنا الخارجية تقوم على تصفير المشاكل وخلق علاقات واضحة ومتوازنة مع معظم دول العالم. ومن هنا مثلت الزيارةُ جهداً في غاية الأهمية لنزع فتيل الحرب بين روسيا وأوكرانيا.

إننا في هذا الكوكب الأرضي بحاجة كبيرة لمن يقوم برأب الصدع وتقريب وجهات النظر، وليس لإشعال الحرب وإطالة أمدها، فذلك لن يخدم أي بلد، إذ الأزمة الاقتصادية التي تهدد العالَم أصبحت أقرب من أي وقت مضى، وهو ما ينبغي أن يدفع الجميع إلى تحقيق معادلة سلام تضمن إنهاء الحرب وتمنع اندلاعها مجدداً. وينبغي للجميع أن يفهموا الدور الإماراتي وأن يفهموا أن الإمارات ستكون على مسافة قريبة من الجميع في هذه الأزمة، وأن سياسة المحاور التي يحاول البعض إحياءها لا تخدم أحداً.

ومع أننا نفهم في ذات الوقت أن العالم قد تغير، وأن هناك قوى تتبلور لتؤكد مكانتَها في عالَم الاستقطاب والمعسكرات، فإننا سنعزز شراكاتِنا القديمة والاستراتيجية مع الدول الصديقة ونوظّفها في سبيل تقريب وجهات النظر وإنهاء الصراعات الحالية والمستقبلية.

*كاتب إماراتي