بعد تفجير جسر القرم وتطور الهجمات الروسية على كييف بصورة لم يسبق لها مثيل؛ جاءت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، إلى موسكو لإجراء مباحثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محاولة جادة لفرملة التدهور الحاصل في الحرب التي دخلت منعطفاً خطيراً جعلت شبح اندلاع الحرب العالمية الثالثة ماثلاً أمام الأعين.
والزيارة التي قام بها رئيس الدولة إلى موسكو في هذا الوقت العصيب تصب في خانة الاهتمام بالشأن الأمني الإقليمي والدولي، وهي مبادرة جادة تهدف إلى وضع حد لتدهور الأوضاع التي يمكن أن تصل إلى مرحلة حرجة، وبالتالي إلى وقوع ما لا يحمد عقباه.
خلال الأسبوع الماضي، وحسب تصريحات الرئيس بوتين فإن موسكو شنت هجمات بصواريخ طويلة المدى على البنية التحتية في أوكرانيا وخصوصاً تلك المتعلقة بالطاقة والاتصالات والدفاع. ويبدو أن تلك الضربات الانتقامية هي الأعنف منذ اشتعال فتيل الحرب كردٍّ على تفجير الجسر الذي يربط روسيا بشبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو إليها عام 2014.
بعد تلك الهجمات أصبح الوضع في جميع أنحاء أوكرانيا مأساوياً في ظل انعدام الكهرباء والماء عن المدنيين. تلك التطورات الخطيرة رفعت الأصوات المؤثرة في أوروبا وأميركا بضرورة التحرك لوقف الحرب وفرض أجواء السلام، حتى أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب دعا إلى ضرورة بدء مفاوضات على الفور لإنهاء الحرب الضروس. في المقابل تعالت الأصوات الداعية إلى ضرورة استخدام أي نفوذ لإقناع روسيا وأوكرانيا بأهمية الجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن لإزالة خطر وقوع كارثة نووية ماحقة للبشرية.
في هذا السياق كان من الطبيعي أن تحظى زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد باهتمام إعلامي عالمي غير مسبوق بالنظر إلى دور سموه في صنع السلام ودعم الحلول الدبلوماسية. والواقع أن تحرك سموه يأتي تجديداً لموقف الإمارات المتمثل دوماً بالدعوة إلى الدبلوماسية واحترام القانون الدولي، كما يأتي في إطار سعي الدولة المستمر للإسهام في تحقيق الأمن وترسيخ الاستقرار في المنطقة والعالم على حد سواء، إلى جانب تعزيز التعاون المثمر والبنّاء مع القوى الإقليمية والدولية.
وعلى صعيد الحرب الدائرة اليوم بين بلدين كبيرين، كان على الإمارات أن تتواصل مع كل الأطراف المعنية بالأزمة في أوكرانيا للمساعدة في التوصل إلى حلول سياسية ناجعة تنتهي بتخفيض التصعيد العسكري الحاصل، والحد من تداعيات الحرب على المدنيين، والتوصل بالتالي إلى تسوية سياسية لتحقيق السلم والأمن العالميين.
ولم يأت التحرك الإماراتي من فراغ، ذلك أنه يستند إلى علاقة الثقة التي بنتها الإمارات مع روسيا، الدولة التي تنظر لأبوظبي كشريك موثوق، ومن هنا فإن التفاعل السياسي الروسي الإماراتي يعتبر أحد العناصر المهمة للحفاظ على السلام والأمن على الساحة الدولية والمنطقة العربية، بما في ذلك منطقة الخليج العربي. ومن هنا فإن كلا الدولتين، روسيا والإمارات، تتكئان تقليدياً على الحوار السياسي الذي تسنده علاقات تعاون وثيقة ومتعددة الأوجه على أعلى المستويات وفي مختلف القطاعات.
إن الدور الذي تؤديه الإمارات اليوم ما هو إلا تعبير صادق عن نوايا حقيقية هدفها إنهاء الحرب، وإنقاذ أرواح الأبرياء، وإن توقفت الحرب فعلاً فإن العالم أجمع سيستفيد بالرغم من الخسارات التي وقعت حتى اليوم. وكلنا يعلم أن الصراعات المسلحة لا يمكن أن تحمل إلا الدمار على جميع الصعد وفي كل الميادين.