بعد عام من الفراغ الدستوري انتخب البرلمان العراقي عبداللطيف رشيد، رئيساً للجمهورية. مشاكل متراكمة لا حصر لها تلك التي يعاني منها العراق منذ عقود، وهي تجعله يبدو وكأنه في نفق مظلم ولا نهاية له، لا بل وتزيد الأمور سوءاً على الشعب الذي يعيش امتحاناً في كل مناحي الحياة، وفي ظل تجاذبات وصراعات مذهبية وسياسية مستمرة ومتجددة.
وبعد كل ذلك؛ هل سيعيش العراق في عهد الرئيس الجديد حالة من الاستقرار التي تبشر بعراق مستقل قوي متصالح مع محيطه كما تعهد رشيد خلال مراسم تنصيبه، وهو الرجل المشهود له بالكفاءة. 
حسب المراقبين، فإن رشيد يمتلك مقومات دبلوماسية وتكنوقراطية عالية، وتجربة نضالية وإنسانية ومهنية ثرية تخوله لأداء دور بناء في السير بالعراق نحو الاستقرار والتنمية، وبالتالي الخروج من دوامة الأزمات، وآخرها أزمة الانسداد السياسي المتواصلة منذ أكتوبر العام الماضي، حيث سعى لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء، كما وجّه في يوليو الماضي نداءً للقوى العراقية المختلفة لإجراء حوار سياسي يتم خلاله الاتفاق على مجموعة مبادئ تحكم العمل السياسي في العراق لتحقق استقراره وأمنه، وتجنبه ويلات الانفلات الأمني ومخاطر الانزلاق نحو فوضى قد تعصف بمقدرات البلاد، ولا سيما مكاسبها في الحرب على الإرهاب. 
بدأ رشيد مهام عمله بتكلف محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة خلال مدة أقصاها 30 يوماً، ومن ثم انتظار نتائج تصويت البرلمان عليها. ما يثير القلق أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رفض مشاركة تياره في الحكومة الجديدة، وهو ما أعاد التشاؤم للوسط العراقي الذي يبدو وكأنه يدور في حلقة مفرغة. 
إن عقبات أخرى تواجه السوداني في محاولته تشكيل الحكومة وذلك مع رفض عدة قوى مدنية وأحزاب ناشئة وقوى الانتفاضة مشاركته في تشكيل الحكومة. 
وحتى وإن صوت البرلمان لصالح «الحكومة المقترحة» إلا أن إشكاليات آليات توزيع المناصب في أي حكومة توافقية تظل حاضرة، خصوصاً مع محاولة مختلف الأطراف التي صنعت التفاهمات مع الإطار التنسيقي الحصول على حصص مُرضية في التشكيلة المقبلة. 
خبراء ومراقبون يؤكدون أن السياق التوافقي الذي سيتّبع في تشكيل حكومة السوداني سيمثل إلى حد ما العقبة الأولى أمام تمرير مريح لها.
على كل حال أمام الرئيس رشيد وحكومته مهمة ثقيلة. العراقيون يعيشون حقاً أوقاتاً صعبة بسبب تهالك المرافق والخدمات والبنى التحتية التي تعتبر الأسوأ في دول المنطقة. فسنوياً مئات الأشخاص يقضون بسبب شبكة الطرق الرديئة، وشبكة الصرف الصحي مع القطاع الصحي حدّث ولا حرج، فلا رقابة على صحة الناس ولا على التخلص من نفايات المستشفيات والتي تُلقى من دون معالجة في الأنهار، إلى جانب تدهور النظام التعليمي، وارتفاع معدل البطالة كثيراً، وانعدام حقوق الإنسان، والفلتان والأمني وانتشار المخدرات. 
لا توجد دولة في العالم مثل العراق تعرض فيها عشرات الآلاف من المواطنين إلى التسمم بسبب مياه الشرب الملوثة، وعلى الرغم من الإيرادات النفطية الهائلة خلال عام 2022، والتي بلغت87 مليار دولار، لكن لم يستفد منها في مشاريع تحتاج إليها البلاد، لأنها ظلت مرهونة بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وموازنة تضبط إيقاع الإنفاق. 
بقيت حكومة مصطفى الكاظمي في موقعها أكثر من عام لتصريف الأعمال من دون أن تملك صلاحية طرح مشروع الموازنة على البرلمان.
دعونا نتفاءل رغم كل تلك هذه المخاوف، ولا شك أن انتخاب رئيس للعراق وتكليف رئيس وزراء جديد لتشكيل حكومة هي خطوة على الطريق الصحيح، والتي إن تحققت سوف تسهم في بناء العملية السياسية وتوجيهها نحو عراق مستقر، ومع ذلك على قادة العراق ونخبه الوطنية من كل الأحزاب والطوائف أن ينتبهوا جيداً ويتحدوا، فهم جميعا أمام تحدٍ كبير، ومن الضروري أن يكونوا على قدر كبير من المسؤولية، عبر السعي الجاد لتطويق الأزمات التي يعيشها العراق، والذي هو اليوم بحاجة ملحّة إلى إبعاده عن حافة الهاوية.