سعدتُ بالمشاركة في العرس الفكري السنوي البهيج لمنتدى «الاتحاد» الـ 17، والذي تناول هذه السنة موضوعَ اقتصاد المعرفة، بمشاركة كوكبة من كتاب الجريدة وخبراء من دولة الإمارات وخارجها.. وقد عُهد إليَّ بالحديث عن موضوع أسبقية الإمارات في الاستعداد لاقتصاد المعرفة، وقلتُ في تدخلي إن المقاربة الاستراتيجية لدولة الإمارات، بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، تقوم على الاستثمار الاجتماعي انطلاقاً من الحكمة القديمة «لا تعطني سمكة كل يوم، ولكن علمني كيف أصطاد سمكة»، بمعنى أن توفير فرص الشغل وتشجيع الاستثمار والمبادرات الفردية.. هي خير وقاية من الهشاشة وأكبر تثبيتاً للسلم وتحقيق الازدهار. فالنجاح الكبير الذي حققته الدولة قام على أساس اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة، والذي يشار إليه في الفصل الثاني عشر من كتاب The Age of Discontinuity لمؤلفه بيتر دراكر.
وكثيراً ما تستخدم مصطلحات متعددة للتأكيد على جوانب مختلفة لاقتصاد المعرفة، منها مجتمع المعلومات، والاقتصاد الرقمي، وشبكة الاقتصاد الجديد، واقتصاد المعرفة، وثورة المعلومات. 

وفي ما قبل، كانت الأرض واليد العاملة ورأس المال هي العوامل الثلاثة الأساسية للإنتاج في الاقتصاد التقليدي، أما اليوم فقد أصبحت الأصول المهمة في الاقتصاد الجديد هي المعرفة الفنية والإبداع والذكاء والمعلومات، وصار للذكاء المتجسد في برامج الكمبيوتر والتكنولوجيا عبر نطاق واسع من المنتجات أهميةٌ تَفوقُ أهمية رأس المال والمواد والعمالة، كما يتضح من النموذج التنموي الإماراتي الحالي. وتقدر التقارير أن اقتصادات المعرفة تستأثر الآن تقريباً بنحو 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وقد فهمتْ دولةُ الإمارات مبكراً أن هذا القرن هو قرن اقتصاد المعرفة بامتياز، فاستثمرت في مكوناته، ونجحت في ذلك وحققت فيه الريادة إقليمياً وعربياً بل ودولياً، وأتقنت أبجدياته وفقهت أهمية المعرفة (والتي تعتبر التكنولوجيا أحد عناصرها) في الاقتصاد حتى أصبحت سمة اقتصاد القرن الحادي والعشرين هي الاقتصاد المبني على المعرفة Knowledge-Based Economic. 

والإمارات من الدول التي أيقنت منذ البداية أن مجتمعات الغد ستكون قائمةً على المعرفة وهيمنتها، ويعتبر التعليم أهم مصادر تعزيز التنافس الدولي، خاصةً في مجتمع المعلومات، باعتبار أن التعليم هو مفتاح المرور لدخول عصر المعرفة وتطوير المجتمعات من خلال تنمية حقيقية لرأس المال البشري الذي هو محور العملية التعليمية، بما يعني أن مجتمع واقتصاد المعرفة مرتبط بمفهوم مجتمع التعليم الذي يتيح كل شيء فيه فرصاً للفرد، ليتعلم كي يعرف ويتعلم كي يعمل ويتعلم كي يعيش مع الآخرين ويتعلم كي يحقق ذاتَه.
وإذا كان اقتصاد المعرفة كما نلحظه في تجربة الإمارات، قائماً بالأساس على المعرفة بوصفها محركاً رئيساً للنمو الاقتصادي، فإن هذا النوع من الاقتصاد يعتمد على توافر تكنولوجيات المعلومات والاتصال والبنى التحتية الرقمية واستخدام الابتكار والرقمنة، وقيام مجتمع منفتح ومتسامح وحوكمة قوية إلى غير ذلك. 

*أكاديمي مغربي