واحدة من حقائق التاريخ السياسي العربي أن مصر الدولة هي حجر زاوية التكوين السياسي للدولة الوطنية العربية من حركة الضباط الأحرار التي توجت واقعياً المفهوم للدولة الوطنية المعاصرة. هذه الحقيقة والتي تَغيب أو تُغيّب عمداً، هي التي يمكن من بعدها استيعاب مفهوم الأمن القومي العربي، الذي تشكل في الوعي السياسي المصري تحديداً مع العدوان الثلاثي في العام 1956، هذه الحرب شكلت واقعية الحقيقة التي استوعبتها القيادة المصرية باعتبار أن قرارها بتأميم قناة السويس والذي دفع بجلاء الاستعمار البريطاني عن مصر حدد معه الخريطة الجيوسياسية التي دفعت الزعيم القومي جمال عبدالناصر لدعم حركة التحرر الوطني في عدن.

ما تحقق في دعم الحركة القومية في عدن أدى إلى تسريع جلاء بريطانيا العظمى من باب المندب، وبذلك اكتمل الجلاء بحصول كافة دول الخليج العربية على سيادتها الوطنية ورفرفت أعلامها على أرضها وتحت سماء الأمة العربية الواحدة المرتكزة على واحدية الأمن والسيادة، من هذا المفهوم يمكن فقط استيعاب مكنون علاقة المؤسس لدولة الإمارات العربية المتحدة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- فمنشأ العلاقة لم يأت من العدم، بل من التكامل القومي وواحدية المصير، في ما بعد تكوّن الدولة الوطنية العربية الحديثة.

هذا ما يفسر حقائق التاريخ المتوالية من إعلان الدولة الاتحادية الإماراتية عام 1971 والشدائد التي امتحنت معادن الرجال في الإمارات ومصر من حرب الاستنزاف التي بدأها الرئيس جمال عبدالناصر وحتى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، والتي نجحت فيها القوات المصرية المظفرة وتمكنت من عبور قناة السويس لتعيد مصر في الواقعية الجيوسياسية فرض الأمن القومي العربي، باعتبار أن أمن القناة جزء لا يتجزأ من باب المندب وبحر العرب والخليج العربي، هذا ما تم فرضه بقوة السلاح المصري وبدعم إماراتي وعربي مشهود عبر التاريخ.

شكلت تلك الحقيقة في وجدان وعقل الشعبين المصري والإماراتي علاقة ممتدة، لا شك في أن للدور التنويري الذي شكلته الجالية المصرية في عموم البلاد العربية كان صاحب التأثير البالغ، غير أن الشعبين ترسخت علاقاتهما ببعضهما بمواثيق وعهود رجالات الدولة الذين كانوا الأحرص على تلكم العلاقة المبنية دائماً على واحدية الأمن والمصير، وحتى بالعودة لواحدة من شدائد التاريخ القومي، فإن موقف الرئيس السابق محمد حسني مبارك من تحرير الكويت في العام 1991 يعيد تلكم العلاقة لفكرة واحدة مهما حاول منّ حاول تغييبها عمداً أو جهلاً، فإنها تفرض ذاتها دائماً وأبداً.

في الشدّة والعاصفة لم تهتز ثقة القيادة الإماراتية إطلاقاً، فذلك الموقف الشجاع لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وشعبه في دعم ثورة 30 يونيو 2013 كان نابعاً من تلك الحقيقة الدامغة بواحدية الأمن القومي، وهو ما ردده ويردده جهاراً نهاراً الرئيس عبدالفتاح السيسي في كل مناسبة لتعميق الفهم واستيعاب ما يجب أن تقوم عليه علاقات البلدان العربية باستنساخ العلاقة المصرية الإماراتية، وهذه لحظة أخرى مواتية من لحظات التاريخ التي يستدعى فيها الوعي القومي بمحدداته وتعريفاته ومصطلحاته الصحيحة التي تحدد بوضوح ملامح العلاقات البينية، وتذهب للمستقبل بكثير من الثقة بأن لدى الشعوب، كما هي القيادات، صدقاً في النوايا وعزماً على المسير.
كما يرشدنا التاريخ، فإن الحاضر يضيء المستقبل، وهي اللحظة الحيوية الجديرة بالنظر إليها بمقتضيات الأمن القومي العربي المستجدة، فالإسلام السياسي والتطرف بكافة تياراته، يستدعي عملاً جاداً، فهذه تحديات تخوض فيها أبوظبي والقاهرة معارك ملحمية لا تكاد تتوقف مع معركة موازية يمثلها تحدي الأمن الاقتصادي والغذائي. الشراكة القائمة على وعي بعمق العلاقة هي ما شكلت الدرع والسيف البتار في علاقة قومية جديرة بأن يتم الاستلهام منها.. فهذه مصر التي جاءت ثم جاء التاريخ، وهذه هي الإمارات التي نهضت بالعلم والمعرفة فأضاءت على العرب بالنور والضياء.
* كاتب يمني