مَن يتابع السرعةَ الكبيرةَ التي تنمو بها الطاقةُ المتجددةُ في بعض دول مجلس التعاون الخليجي يعتقد بأن هذه ليست دولاً غنية بالنفط والغاز، لذلك فهي تسعى جاهدةً لتطوير مصادر الطاقة البديلة والمتجددة.

إلا أن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً، فدول المجلس تأتي في مقدمة دول العالم باحتياطيات النفط والغاز والتي تكفيها لعقود طويلة قادمة، لكن هذا التوجه القوي لديها، وبالأخص في الإمارات والسعودية، نحو الطاقة المتجددة، يعبّر عن فهم صحيح للتنوع، مع الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة المتوافرة بغزارة في المنطقة، كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، بالتوازي مع تطوير مصادر الطاقة التقليدية كالنفط والغاز.

وستكون لهذا التوجه الذي يسير في خطين متوازيين آثار كبيرة على التنوع الاقتصادي وزيادة معدلات النمو وتنامي الصادرات وضمان أمن الطاقة، إذ تعتبر جميعها بنوداً أساسية لنمو الاقتصادات الخليجية وتنويع مصادر الدخل الوطني، وهذا أحد أهم التوجهات الاستراتيجية لدول المجلس.

وبالإضافة إلى مشاريع الطاقة المتجددة التي أشرنا إليها أعلاه، فقد تسارعت التوجهاتُ في هذا الصدد بسرعة كبيرة خلال العام الجاري، ففي دولة الإمارات تطورت مصادر الطاقة المتجددة منذ أن أعلنت الدولة في عام 2012 استراتيجيتها للتنمية الخضراء والتي تستهدف زيادةَ نسبة الطاقة المتجددة إلى 30% بحلول عام 2030، حيث يتوقع أن تتحقق هذه النسبة قبل ذلك الموعد بفضل التقدم المُحرَز في هذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية، إذ تكمن الإشارة بصورة خاصة إلى محطة الظفرة للطاقة الشمسية باعتبارها أكبر محطة لإنتاج الطاقة الشمسية في العالم، والتي دُشِّنت مؤخراً لتنضاف إلى العديد من المحطات المماثلة في مختلف إمارات الدولة.

لقد أتاحت زيادة إنتاج الطاقة المتجددة، إلى جانب تشغيل محطات براكة للطاقة النووية، التقليلَ من استخدام الغاز الطبيعي لإنتاج الكهرباء، وهو ما أتاح بدوره زيادةَ صادرات الدولة من الغاز الطبيعي، وبالأخص بعد الاكتشافات الأخيرة، حيث جاء ذلك في ذروة الطلب العالمي على الغاز والذي رفع أسعاره إلى معدلات عالية، ما شكَّل دعماً للمالية العامة للدولة، حيث يُتوقع أن تتنامي مساهمةُ الطاقة المتجددة في الفترة القادمة لتتيحَ المزيدَ من صادرات الغاز للخارج، وهو تحول جذري في سياسة الطاقة المستدامة والصديقة للبيئة.

أما في السعودية، فتم الإعلان هذا العام عن طرح خمسة مشاريع جديدة لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة، والتي تشمل ثلاثة مشاريع باستغلال الرياح ومشروعين باستغلال الطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية كبيرة تبلغ 5100 ميغاواط، وهو ما سيعزز من مساهمة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء ويؤدي إلى النتيجة نفسها التي تحققت في الإمارات، إذ سيوفر المزيدَ من مصادر الغاز السعودية المتاحة للتصدير وما سينجم عنه هذا من تنمية الموارد المالية الإضافية.

إن استمرار هذا التوجه بالزخم الحالي نفسه سينجم عنه تطور مهم آخر يتعلق بإمكانية تصدير الطاقة الكهربائية المنتَجة من مصادر متجددة، خصوصاً وأن التقنيات الخاصة بعملية التصدير أصبحت متاحةً، بما في ذلك من خلال الربط الكهربائي لشبكات مختلف البلدان، بما فيها الأوروبية.

ويتزامن ذلك مع تكثيف الاستثمارات في إنتاج النفط والغاز، حيث تعتبر دول مجلس التعاون في مقدمة الدول في حجم الاستثمارات في هذا القطاع بعد تراجع عالمي ملحوظ لأسباب عديدة في السنوات القليلة الماضية، وهو ما يتوقع أن يؤدي إلى زيادة إنتاج النفط إلى خمسة ملايين برميل بالسنوات الخمس القادمة في دولة الإمارات، وذلك ارتفاعاً من 3.2 مليون برميل حالياً.

وكذلك رفع إنتاج النفط في السعودية إلى 13 مليون برميل يومياً، فضلاً عن زيادات كبيرة متوقعة في إنتاج الغاز.. مما سيمنح دولَ المجلس وضعاً استثنائياً وقوياً في ميزان الطاقة العالمية، مما يعني أن دول المجلس تقف الآن على أعتاب مرحلة جديدة للتنوع في إنتاج الطاقة المستدامة ستكون لها انعكاسات اقتصادية إيجابية مؤثرة لصالح مستقبلها الاقتصادي، وبالأخص التنمية المستدامة.

*خبير ومستشار اقتصادي