هل تكون الثالثة ثابتة؟ الكثيرون في بريطانيا يأملون أن يكون هذا هو واقع الحال في وقت يتولى فيه ثالثُ رئيس وزراء في أقل من ثلاثة أشهر منصبه. ريشي سوناك (42 عاماً) سيكون أصغر رئيس وزراء بريطاني منذ أكثر من 200 سنة، وأولَ رئيس وزراء ينحدر من أصول آسيوية. ففي الخامس والعشرين من هذا الشهر، كلّفه الملك تشارلز الثالث بتشكيل حكومة عقب فترة حكم سلفه «ليز تراس» التي خلفت بوريس جونسون أوائل شهر سبتمبر الماضي. 
الأشهر القليلة الماضية التي تميزت بالقليل من الفوضى، كانت سيئة للاقتصاد البريطاني، وسيئة للتحالف الغربي، وسيئة لصحة الشعب البريطاني ومعنوياته. ولهذا، يواجه سوناك مصاعب كبيرة في سبيل استعادة الثقة في الحكومة؛ فهو لم يُنتخب من قبل الشعب وإنما من قبل أعضاء البرلمان المنتمين لحزب المحافظين. وفي الأثناء، يحقق حزب العمال المعارض، برئاسة السير كير ستارمر، تقدماً كبيراً في استطلاعات الرأي العامة، ولو أُجريت انتخاباتٌ عامةٌ اليومَ، لفاز بها حزب العمال ولوصل إلى السلطة. لكن رسمياً لن تجرى الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا حتى يناير 2025، وهو ما يمنح سوناك وفريقه، نظرياً، الفرصة لتحسين وضعهم. والواقع أنه بالإمكان إجراء انتخابات جديدة قبل ذلك التاريخ في حال كان هناك تصويت بسحب الثقة من الحكومة في البرلمان، غير أن هذا لن يكون ممكناً إلا إذا قامت أعداد كبيرة من حزب سوناك بالتخلي عنه وصوّتت مع أعضاء حزب العمال. وهذا أمر من المستبعد أن يحدث قريباً، لا سيما أن المزاج العام في البلاد هو أن الوقت وقت التركيز على الحكامة الكفؤة وليس السياسة المتمحورة حول الأشخاص. ولهذا، فلدى سوناك فرصة لإبراز نقاط قوته كزعيم، والأهم من ذلك، لإثبات أنه يستطيع إعادة الثقة في الأسواق المالية. وبالنظر إلى خلفيته كمصرفي ومنصبه الحكومي السابق كوزير للخزانة، فإنه يملك الموهبةَ والمؤهلات للقيام بذلك شريطةَ أن يكون الفريق الذي اختارَه للخدمة في الحكومة مستعداً لدعمه ومساندته والحد من الخلافات والمشاحنات التي عرفها الحزب من داخله وأدت إلى سقوط كل من بوريس جونسون وليز تراس. 
ومن جهة أخرى، يفتقر سوناك إلى مهارات السياسة الخارجية التي أظهرها جونسون بوضوح في دعمه الصريح لأوكرانيا. غير أنه بالنظر إلى خلفيته ومشاعر الفخر الكبير التي سادت في الهند على خلفية صعوده، فإنه يمكن أن يصبح شخصيةً شهيرةً، على غرار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، لا سيما أن زوجتَه هي ابنة الملياردير الهندي نارايانا مورثي الذي يُعد أحد مؤسسي «إنفوسيس»، وهي شركة عالمية للاستشارات والمعلومات والتكنولوجيا. 
سوناك لا يملك كثيراً من الوقت لإثبات مؤهلاته. فالشتاء على الأبواب، وأزمة الطاقة في المملكة المتحدة وأوروبا، الناجمة عن حرب أوكرانيا، ستعني معاناة شديدة بالنسبة للكثير من المواطنين البريطانيين، مالياً وجسدياً. وفضلا عن ذلك، فإن الشتاء سيأتي في وقت يعاني فيه نظام الرعاية الصحية البريطاني (الـ«إن إتش إس») ذائع الصيت من مشاكل مالية وبنيوية جمّة، فيما يتم تدمير البنية التحتية الطاقية في أوكرانيا وعرقلة وصول الغاز إلى أوروبا. 
واحدة من أولى الزيارات التي سيقوم بها سوناك ستكون زيارة نظرائه الأوروبيين ومحاولة حل المشاكل العالقة التي ظهرت عقب مفاوضات «بريكست»، لا سيما تلك المتعلقة بوضع الحدود بين إيرلندا الشمالية التي بقيت في المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا التي تُعد جزءاً من الاتحاد الأوروبي. كما سيحتاج إلى القيام بالزيارة التقليدية الواجبة إلى واشنطن من أجل الالتقاء مع الرئيس الأميركي جو بايدن وتقوية أواصر العلاقة الخاصة التي تربط المملكة المتحدة بالولايات المتحدة. وهذا يفترض ألا يطرح مشكلةً بالنظر إلى أنه يملك منزلا في سانتا مونيكا، بولاية كاليفورنيا، وله علاقات ومعارف في البلاد. لكن، وعلى غرار كل الزعماء، فإن الأحداث المفاجئة، مثل الكوارث الطبيعية والكوارث الإنسانية، هي التي ستشكل اختباراً ومحكاً حقيقياً لمهارات رئيس الوزراء البريطاني الجديد، وستُبرز ما إن كان يستطيع إظهار الزعامة في أوقات الأزمات. 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن