ينتهي الإثنين المقبل عهد الرئيس ميشال عون، والذي دام ست سنوات، شهد لبنان خلالها الانهيار المالي الكبير وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية، وتدهوراً كبيراً في عملته الوطنية التي خسرت أكثر من 95% من قيمتها. وفي سياق المعركة الدائرة بين العهد وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي بدأت قبل بداية هذا العهد، ويبدو أنها مستمرة بعد نهايته، تبرز خطورة «لعبة دولار بيروت» التي يدفع ثمنَها اللبنانيون مع تدهور قيمة دخلهم. وقد حمّل العهدُ الحاكمُ «سلامة» مسؤوليةَ هذا الانهيار الكبير. ورد الحاكم بتحميل الدولة هذه المسؤولية بسبب الفساد وهدر الأموال العامة وتراكم الديون، خصوصاً خلال السنوات الثلاث الأخيرة. 
ويشهد لبنان حالياً ربما آخر مشهد من هذه المعركة، والذي بدأ في منتصف سبتمبر الماضي، عندما لجأ «مصرف لبنان المركزي» إلى التوسع في حجم الكتلة النقدية، بطرح كميات كبيرة من العملة الوطنية، مقابل شراء الدولار وتعزيز احتياطيه بالعملات الأجنبية، مما أدى إلى زيادة سيولة الكتلة من 45 تريليون ليرة إلى 69.8 تريليون ليرة في منتصف أكتوبر الحالي، بزيادة 24.8 تريليون ليرة خلال شهر واحد، وهو الرقم القياسي الأعلى في تاريخ الجمهورية اللبنانية. وقد ساهم في ارتفاع سعر الدولار من 36000 ليرة إلى 40800 ليرة، وذلك في ظل شائعات في الأسواق بأن الحاكم سلامة ينوي طرح الدولارات التي اشتراها والبالغة نحو 600 مليون دولار، في أوائل نوفمبر المقبل، لإظهار خفض سعر الدولار مع مغادرة الرئيس عون قصر بعبدا. لكن «المركزي» استعجل طرح دولاراته بدءاً من الثلاثاء الماضي، ما أدى إلى تراجع السعر إلى 35000 ليرة. واعتبرت مصادر مصرفية أن هذه الخطوة تهدف إلى نفي الشائعات المذكورة أعلاه. وبالنتيجة لم ينخفض سعر الصرف بشكل مفاجئ إلا ليرتفع بعدها، خصوصاً أن أياً من المؤشرات الاقتصادية القائمة لم يتغير، بل استجدت معطياتٌ أكثر سوداويةً ترتبط باحتمال دخول البلاد في أزمة دستورية نتيجةَ فراغ في منصب رئيس الجمهورية وفراغ حكومي.
ومع عجز لبنان عن إنجاز الإصلاحات، فهو يواجه صعوبات في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي. ورغم أنه تم التوافق على تحديد فجوة الخسائر بنحو 73 مليار دولار، فقد برز الاختلاف الكبير حول تحديد المسؤولين عن هذه الخسائر، وقيمة مسؤوليتهم في تغطيتها. وبينما يتفق الصندوق مع خطة الحكومة على اعتبار هذا المبلغ «خسائر» يجب أن يتحملها البنك المركزي والمصارف والمودعين، فإن جمعية المصارف تعتبرها ناتجة عن عجز الدولة عن دفع ديونها التي زادت عن 94 مليار دولار. أما الفريق الثالث، وهو من الخبراء الحياديين، فيطالب بتوزيع عادل لتحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر «تراتبيا» بين الدولة والبنك المركزي والمصارف الوسيطة.
وكنتيجة طبيعية للمماطلة في إيجاد الحل، لوحظ «تذويب» الجزء الأكبر من الودائع، إذ تراجع حجم ودائع القطاع الخاص من 172.35 مليار دولار عام 2019 إلى 126.5 مليار دولار في يوليو الماضي، ما يعني أن المصارف استطاعت تذويب 45.85 مليار دولار على مراحل وبأشكال متعددة. وكذلك تراجع حجم موجوداتها الإجمالية من 259.2 مليار دولار إلى أقل من 171.3 مليار دولار، وبذلك تخلصت من 87.9 مليار دولار، أو ما يقرب من ثلث موجوداتها قبل ثلاث سنوات.
أما بالنسبة للبنك المركزي فقد ساهم بتذويب الدَّين المترتب على الدولة بالليرة والبالغ نحو 60 مليار دولار على السعر السابق 1500 ليرة للدولار، فأصبح فقط 1.62 مليار دولار، بعد تدهور سعر الصرف إلى 37000 ليرة للدولار الواحد.

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية