(الأعجمي أو العجم هنا، هو ما ليس عربي اللسان ولا صلة له بأرض فارس أو إيران الحديثة). التجارة قبل النفط ما كان محركاً لكافة المقاربات باتجاه جغرافيا الخليج العربية بمحتواها الاستراتيجي من منظور المصالح القومية (الاستراتيجية) لأعاجم الأمس واليوم، وما ردة فعل عجم اليوم (واشنطن) الأخيرة بشأن قرار «أوبك+»، إلا تأكيد لقناعة لا تتصل بالواقع ومتكلسة التأصل في وجدانهم. فأمن الطاقة ليس بالتحدي الطارئ على مسرح الأزمات الكبرى، إلا أن إبقاء النفط المحرك الدائم لحدود العلاقات الخليجية الأميركية، هو معادلة تفتقر إلى إمكانية الاستدامة.
مثّل النفط أهم محركات الدبلوماسية الأميركية في احتواء الأزمة الأوكرانية، لدرجة إسقاطها باقي ما عرفته كأولويات، فالملف النووي الإيراني لم يعد أولوية، والأوروبيون تجاوزوا تبايناتهم الضيقة، ونجحوا في إنفاذ آلية تسعير وشراء مركزية للطاقة. أما طهران، فقد ارتأت في الانحياز لصالح حليفتها موسكو صيانة لتكافلات ثنائية قائمة (ملفها النووي/ مصالحها الإقليمية)، وربما ارتأت في تطوير العلاقات الثنائية مظلة وظهيراً أمنياًَ فاعلاً في حال خرجت الأحداث الإيرانية خارج نطاق السيطرة. وفي مسار آخر، أُنجزت واشنطن اتفاق ترسيم حدود بحرية يعد تاريخياً بين لبنان وإسرائيل، والذي مثل تأصيلاً لحيوية دبلوماسية الطاقة أو الدبلوماسية الاقتصادية.
بخلاف أمن أوروبا، فإن الطاقة والغذاء كانا أهم المحركات الخارجية للأزمة الأوكرانية، إلا أن كليهما تراجعا من حيث التأثير بعد نجاح أوروبا وشركائها الاستراتيجيين في تحييد «الطاقة» سياسياً، وما تبقى هو قبول طرفي الأزمة بالاحتواء السياسي لاستحالة تحقيق نصر عسكري دون احتساب الكلف المحتملة، وذلك لاستحالة قبول موسكو الاعتراف بالهزيمة في ظل معادلتها السياسية القائمة.
إلا أن فشل واشنطن في تطوير نماذج لمقاربات أكثر واقعية ومماثلة لنجاحها في الاتفاق اللبناني الإسرائيلي مع حلفائها الخليجيين في ما يتصل بأمنهم القومي، معطوفاً على ذلك فشل أوروبا في إدراك مخاطر تأخير التوقيع على مواثيق تجارة حرة مع نفس الحلفاء، قد يكلفهم الكثير في حال تقرر انضمامهم لمجموعة «بريكس». وأوروبا تحديداً تتذكر موقف الصناديق السيادية الخليجية في الأزمة المالية في 2008 وكيف كانت مساندة لبرامج إنقاذ قطاعها المالي والمصرفي.
إعادة الاستقرار لعموم منطقة الشرق الأوسط هو التحدي المشترك الأكبر لعموم دوله، وكذلك ضرورة تحييد المنطقة من مخاطر التزاحم الجيواستراتيجيي الخشن بين الولايات المتحدة والصين، وعلى الطرفين قبول واقع رفض هذه الدول المطلق القبول بالاصطفاف أو الانحياز لصالح طرف دون آخر على حساب مصالحه، وضمن هذا الإطار يأتي إعلان وزير الخارجية السعودي، سمو الأمير فيصل بن فرحان آل سعود على هامش اجتماع اللجنة العليا السعودية الصينية «بأن هناك زيارة مرتقبة للرئيس الصيني للرياض، وبأنها ستشهد ثلاث قمم، سعودية، خليجية وعربية».

التوازن الاستراتيجي هو ما تنشده عموم دول المنطقة، فإنْ فشل الحلفاء التقليدين في إدراك واقع ما تمثله التحولات الراهنة في منهجية دول الخليج العربية تعبيراً عن فلسفتها الجديدة، فإنهم سيحتاجون لاستحداث قاموس جديد.
* كاتب بحريني