ما زال الحديث يدور حول دور التعليم المهني في دولة الإمارات العربية المتحدة وأهميته للمواطنين، وفي رفد سوق العمل بالعناصر المؤهلة والمُدربة والمزوَّدة بالمهارات العملية التي تحتاجها مختلف الصناعات في الدولة في قطاعات بارزة مثل صناعات الطيران والطاقة وغيرها. وقد شاركتُ قبل أيام في حدث يعكس مدى الاهتمام الذي توليه مؤسسات التعليم المهني لتعريف سوق العمل بكل قطاعاته بنوعية مخرجاتها والمهارات المكتسبة للخريجين. وكان «ملتقى الصناعات والتوطين» الذي نظَّمه معهد أبوظبي للتعليم والتدريب المهني فرصةً مهمةً يلتقي خلالها خريجو المعهد وطلبة السَّنة الدراسية النهائية بممثلي الموارد البشرية في جهات حكومية والشركات الخاصة.

وقد تم توفير كل التسهيلات لكي تقوم تلك الجهات بإجراء مقابلات التوظيف مع المواطنين وبالتالي ترشيح المناسب منهم للوظيفة المناسبة. أضف إلى ذلك أنه خلال الملتقى استطاعت الجهاتُ المشاركةُ التعرُّف عن قرب على برامج التعليم والتدريب المهني المطروحة في المعهد، والتي تضم على سبيل المثال الصحةَ والسلامةَ المهنيةَ والمحاسبةَ والإعلامَ والإدارةَ اللوجستيةَ وإدارةَ المشاريع والهندسةَ بفروعها: الميكانيكية والإلكترونية والكهربائية.. وغير ذلك.

ومما لا شك فيه أن مثل هذا الملتقى من الفعاليات المشابهة، تُركز كلُّها على غاية وطنية استراتيجية رئيسية وضعتها حكومةُ دولة الإمارات العربية المتحدة نصبَ عينيها ألا وهي «التوطين». وتوطين المهن في أي مجتمع لا يأتي بصورة عشوائية، بل من خلال دراسات وبرامج شاملة تُراعي خصوصية ذلك المجتمع، وسماته الثقافية، والديموغرافية، والاقتصادية.

وأساس نجاح خطط التوطين دائماً هو التعليم. والتعليم هنا لا يقتصر فقط على التعليم العام والعالي، بل يشمل، وعلى التوازي معهما، التعليمَ المهني الذي يتخرج منه الطالب مُتسلِّحاً بمهاراتٍ وقدراتٍ قلَّما تستطيع مؤسسات التعليم العام والعالي تزويده بها، لاختلاف المناهج الدراسية وأهدافها وطرق تطبيقها.

والمقصود هنا هو تبيان الاختلاف في نوعية المخرجات، مع اليقين بأهمية كلا النظامين التعليميين لسوق العمل في الدولة. والملاحظ أيضاً أن مؤسسات التعليم المهني لديها علاقةُ تواصل وتنسيق أقوى مع جهات العمل، وهذا الأمر يمنحها أفضليةً في تطبيق أقصى درجات المرونة في تعديل المناهج الدراسية بما يتناسب مع تطورات سوق العمل ورغبات قطاعاته المختلفة. لذا نجد تلك المؤسسات قدرةً على حذف وإضافة وتعديل الأهداف التعليمية لأي برنامج دراسي، بل وقد يصل الأمر إلى إيقاف طرحه مؤقتاً لعدم رغبة سوق العمل في توظيف المتخرجين منه واتجاهه نحو خريجين من نوعية مختلفة إن لجهة التحصيل الأكاديمي أو لجهة المهارات العملية.

ومن أجل تحقيق تطلعات جهات العمل، نجد مؤسسات التعليم المهني تحتضن أحدث مختبرات التعليم وورش العمل، إضافةً إلى طرح مؤهلات مهنية يستطيع خلالها الطالبُ قضاء معظم ساعات فترة التدريب لدى تلك الجهات لكي يكتسب ثقافةَ العمل ويتأقلمَ مع البيئة الصناعية أو التجارية أو الحكومية، وبالتالي لا يستغرق وقتاً طويلاً في تنفيذ واجباته الوظيفية حال توظيفه بعد التخرج. تلك هي جهود مؤسسات التعليم المهني والتي، بلا شك، بحاجة إلى دعم أكبر من جهات العمل الحكومية والخاصة لاستقطاب خريجيها والذين يتمتعون بكل احتياجات هذه الجهات من مهارات وقدرات شخصية.

*باحث إماراتي