عندما زار الرئيس الأميركي جو بايدن المملكة العربية السعودية في يوليو الماضي سمع القادة المجتمعون منه، ومن فريقه ما يشير إلى نية الولايات المتحدة تصحيح مواقفها مع المملكة، لكن الأيام الماضية أثبتت عكس ذلك مع تصاعد الخلافات بين الدولتين على خلفية قرار مجموعة «أوبك بلس» خفض الإنتاج النفطي بمقدار مليوني برميل يومياً، اعتباراً من شهر نوفمبر الجاري، الأمر الذي اعتبرته إدارة بايدن انحيازاً من «أوبك» لروسيا  التي تخوض حرباً على أوكرانيا.

واشنطن لوّحت بعقوبات وخيمة للرياض، والمملكة حسمت موقفها بعدم قبول الإملاءات، لا بل كشف بيان وزارة خارجية المملكة (بأن غضب واشنطن من قرار "أوبك بلس" هو غضب سياسي خوفاً من خسارة الأغلبية الديمقراطية الصغيرة في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس... وليس غضباً من أجل أوكرانيا). اليوم تُصنف الخلافات بين الدولتين بأنها الأعنف منذ أكثر من 40 عاماً.

والحقيقة التي لا جدال فيها أن الموقف الأميركي يتعمد تسييس القرارات الاقتصادية التي صدرت بالإجماع من أجل استقرار الاقتصاد العالمي في ظل التحديات الخطيرة التي يواجهها، وهو ما عبر عنه بوضوح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، بقوله إن المملكة تعمل جاهدة لدعم الاستقرار والتوازن في أسواق النفط، وإن بلاده وسيط سلام، وقد أصدرت دول الخليج بياناً جماعياً أعلنت فيه اصطفافها إلى جانب الموقف السعودي. يبدو أن صدور قرار «مجموعة أوبك بلس» أزعج الإدارة الأميركية، الموقف السعودي، أوموقف دول المنطقة أجهض مخططاً بحصار روسيا والسعي نحو تصفير صادراتها من النفط والغاز لدفعها نحو قبول الإملاءات الغربية الأميركية.

ويبدو كذلك أن الإدارة الأميركية لم تستوعب بعد المتغيرات التي تشهدها خريطة العلاقات المتشابكة وموازين القوة الدولية، إضافة إلى تجاهلها غير المبرر لجوهر العلاقات بين دول الخليج والولايات المتحدة القائمة على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، مع التأكيد على أهمية البناء على المرتكزات الراسخة التي قامت عليها تلك العلاقات على مدى العقود الماضية، والتي أسهمت في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ومكافحة الإرهاب والتطرف.

معلوم أن الدول تتحرك، وتعمل وفق رؤيتها الاستراتيجية وبما يخدم مصالحها ويدعم أمنها واستقرارها، ويفيد شعبها في المقام الأول، وهذا ما ينبغي أن تؤمن وتعمل به الولايات المتحدة، لكن بعض أعضاء الكونجرس يعمدون إلى إشهار ورقة وقف صفقات السلاح حين تختلف وتتعارض توجهات دولة ما مع دولتهم، وهو ما حدث مع المملكة، حين قدم قبل أيام السيناتور ريتشارد بلومنتال تشريعاً لوقف صفقات السلاح وبيع قطع الغيار والتركيب وخدمات الدعم وبرامج الدعم إلى السعودية لمدة عام، وذلك في أعقاب قرار خفض مستويات إنتاج النفط.

ومن جانبه، قال وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان خلال مشاركته في فعاليات مؤتمر «مبادرة مستقبل الاستثمار» يوم الثلاثاء الماضي بالرياض، إن بلاده قررت أن تتعامل بـ «نضج» تجاه توتر العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة بعد الخلاف حول قرار مجموعة «أوبك بلس» بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، وإن بلاده ستورّد النفط إلى كل من يحتاج إليه من المملكة. إن الأزمة الراهنة بين الدولتين تكشف عن عمق واتساع الفجوة بينهما.

فبينما تحاول الولايات المتحدة بكل الوسائل والأساليب استثمار حلفائها ووضعهم دائماً تحت جناحيها والتأثير - كما تريد - على قراراتهم، إلا أنه من حق هؤلاء الحلفاء البحث ضمان حريتهم، واستقلال قرارهم سياسياً كان أم اقتصادياً، وبالتالي النأي ببلادهم عن كل ما يعطّل نموّهم وتقدمهم نحو آفاق جديدة.