يحمل تاريخ انعقاد القمة العربية الحادية والثلاثين رمزيةً تاريخية مع احتفال الجزائر بالذكرى الـ68 لاندلاع ثورة التحرير. وتعقد هذه القمة بعد انقطاع دام أزيد من ثلاث سنوات، تفاقمت خلالها أزمات، إضافة لتداعيات جائحة كورونا ثم الحرب الروسية الأوكرانية.
وستكون قمة الجزائر أول قمة عربية رقمية بالكامل، حيث سيتم الاستغناء تماماً عن الورق خلال كل الجلسات. وقد انتهت الجزائر من وضع اللمسات الأخيرة، ووصف الرئيسُ الجزائري عبد المجيد تبون هذا الحدث بأنه «انطلاقة جديدة للعالم العربي»، مؤكداً على لم شمل العرب. وبالفعل فإنه يمكن لقمّة الجزائر أن تكون فرصةً للمصالحات والتوافقات العربية. وضمن هذا السياق، تمكن الإشارة بصفة خاصة إلى اتفاق الفصائل الفلسطينية الموقّع في الجزائر مؤخراً.
ويحتوي جدول أعمال القمة على عشرين بنداً، من ذلك دعم الموقف السعودي الذي تبنّته منظمة «أوبك+» في الـ14 من أكتوبر المنصرم، والقاضي بخفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً. 
وبشأن طبيعة مشاركة ليبيا في «جامعة الدول العربية»، فقد دعت الجزائرُ «حكومةَ الوحدة الوطنية» إلى القمة، وذلك في إطار محاولتها للعب دور الوسيط بين الحكومتين المتناحرتين في ليبيا.
وفيما يتعلق بالشأن السوري، فقد أعربت الجزائر عن تأييدها لإعادة ضم سوريا إلى الجامعة العربية، وهو موقف تؤيده العديد من الدول الأعضاء الأخرى. 

وستتم مناقشة العلاقات العربية بالجوار الإقليمي، وعلى رأسها الدور الإيراني، وذلك بطلب من ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي. كما سيتم التعرض للدور التركي في سوريا وليبيا والعراق. وكذلك التطورات في جزر القمر، والخلاف الحدودي بين جيبوتي وإريتريا، وموضوع الصومال.
وبطبيعة الحال فإن الأوضاع والتحولات الجيوسياسية الإقليمية والدولية تؤثر في أحوال الدول العربية، لاسيما أزمات مثل أزمة الغذاء وأزمة الطاقة وأزمة التغير المناخي، علاوة على مشكلة التضخم الاقتصادي، وما لذلك من تداعيات ثقيلة تستلزم تعاوناً إقليمياً ودولياً للعمل من أجل إيجاد حلول جماعية عملية مدروسة، بتعاون الدول العربية في ما بينها ومن خلال آليات العمل في جامعة الدول العربية ذاتها. وفي هذا الصدد تم طرح مشروع تأمين الغذاء العربي الذي لاقى ترحيباً في اللجنة الوزارية.
إنه بإلقاء المرء نظرةً على العلاقات العربية العربية في سياقاتها السياسية والاقتصادية، سيجد أنها ليست مرضيةً وليست في المستوى المأمول، وذلك بعد سنوات صعبة مرّت على هذه العلاقات التي قلَّ التقارب فيها، إنْ لأسباب داخلية أم لعوامل خارجية. كما لم تعد الأحوال الاجتماعية والاقتصادية للعديد من الدول والمجتمعات العربية على ما يرام، وهي أوضاع وتطورات تتطلب التفكير في إيجاد حلول ومقاربات عربية جديدة، تضع قاطرةَ الاقتصاد في المقدمة، لعل ذلك يفيد في تمهيد الأرضية لتحسين العلاقات العربية العربية وفق رؤية أكثر عملية وأضمن نجاعةً.
وأعتقد أن جمهورية الجزائر حريصة على إنجاح قمة الجزائر العاصمة، وعلى تمكينها من خلق أجواء مساعِدة في التوصل إلى المصالحة العربية وتحقيق التوافق حول قرارات القمة في بيئة من التفاهم والتضامن مرضية للجميع.. وبذلك تحقق القمةُ رمزيتَها التاريخيةَ.


*سفير سابق