حصل في جلسة البرلمان العِراقي(27 أكتوبر2022)، اعتداءٌ بالضرب المبرح والتهديد بالقتل لبرلمانييَن، ممَن أوصلتهما «تشرين»(2018- مستمرة)، إلى البرلمان، لأنهما شجبا المحاصصة في تشكيل الوزارة، وهي هكذا منذ عشرين عاماً، وذَكَّروا بالصَّوت العالي بضحايا القناصين وعصابات الاغتيال وبالأسماء. كان هذا الاعتراض والتَّذكير كافياً لاستفزاز أعضاء الإطار التَّنسيقي، الذي زعاماته متهمون بالقنص والاغتيال، ولولا تدخل آخرين لأضيف المعتدى عليهما إلى الثَّمانمائة ضحية. 
عندما يذهب جماعة مِن الشّباب إلى رئيس الوزراء للسؤال عن مصير المخطوفيَن مِن أصدقائهم: مازن لطيف(1 فبراير2020)، وتوفيق التَّميميّ(9/3/2020)، أجاب: «الأمر ليس عندي»، كذلك اعتذر لهم رئيس المخابرات بالعبارة نفسها، مع أنَّ الخاطفين كانوا ميليشيات «الممانعة والمقاومة»! 
عندما اغتيل هشام الهاشمي(6 يوليو2020)، يُنقل أنَّ مسؤولاً عراقيّاً اتصل بحسن نصر الله اللبنانيّ، يخبره أنَّ جماعتكم متورطون، فماذا نفعل؟ يقصد كتائب «حزب الله»، يأتيه الجواب: «احفظها داخل الطَّائفة»! مع أنَّ الضَّحية مِن الطَّائفة نفسها! ولعليّ بن بسَّام(ت: 302هج): «عَذرناك في قتلكَ المسلمين/ وقلنا: عداوة أهلِ المِلَلْ/ فهذا المَناريُّ ما ذنُبه/ ودينكما واحدٌ لم يزلْ»(المسعوديّ، مروج الذَّهب). 
عندما يُهدد قائد ميليشيا رئيس الجمهورية، ويُذكره بفضل الولاية عليه، وآخر هدد رئيس الوزراء بالسحل مِن فضائيته، فماذا ينتظر الرؤساء مِن موقف غير الذُل الذي تعرض له الخليفة الطَّائع لله(ت: 393هج)، بسحبه على الأرض مِن قِبل ميليشيا زمانه! 
جاء في الرِّواية(19 رمضان 381هج) أنْ «قُبض على الطَّائع في داره، والسَّبب أنَّ أبا الحسن بن المعلم، وكان من خواص بهاء الدَّولة، ركب إلى الطَّائع ووصى وقت دخوله أنْ لا يمنع أحداً مِن الحجاب، ثم سار بهاء الدَّولة في الجيش، فدخل وقد جلس الطَّائع في صدر الرَّواق من دار السَّلام، متقلداً سيفاً، فلما قرب منه بهاء الدَّولة، قبّل الأرض وطرحَ له كرسياً، فجلس عليه، وتقدم أصحاب بهاء الدَّولة، فجذبوا الطَّائع بحمائل سيفه من سريره، وتكاثر الدَّيلم(من بلاد فارس) فلُف في كساء وحمل إلى بعض الزَّبازب(قارب)، وأصعد به إلى الخزانة في دار المملكة، واختلط النَّاس وقدر أكثر الجيش، ومن ليس عنده علم بهذا الأمر أنَّ القبض على بهاء الدَّولة، وتشاغلوا بالنهب، وأخذ ثياب مَن حضر مِنْ الأشراف والشُّهود، وقبض على أبي الحسن علي بن عبد العزيز ابن حاجب النُّعمان في آخرين، إلى أنْ قرر عليهم مال فاستوفي منهم، واحتيط على الحجر والخزائن والخدم والحواشي، وخرست الأخت زوجة الطَّائع، وانصرف بهاء الدَّولة إلى داره... وكتب إلى الطَّائع كتاب بخلع نفسه»(ابن الجوزيّ، المنتظم). 

كان الشَّريف الرَّضي(ت: 406هج) أحد الحاضرين، فقال: «مِنْ بعد ما كان ربَّ الملكِ مبتسماً/ إليَّ أدنوه في النَّجوى ويُدنيني/ أمسيتُ أرحمُ مَن قد كنتُ أغبطهُ/ لقد تقارب بين العزِّ والهونِ/ ومنظرٌ كان بالسَّراء يُضحكني/ يا قرب ما عاد بالضَّراء يبكيني/ هيهات أغترُ بالسَّلطانِ ثانيةً/ قد ضل ولاج أبواب السَّلاطين»(مسكويه، تجارب الأُمم وتعاقب الهمم). 

خشيتي أنْ يصل الحال بالرُّؤساء، جمهوريَّة ووزراء وبرلماناً، أنّ يدخل على أحدهم قائد ميليشيا ويفعلها معه مثلما فعلتها الميليشيا البويهيَّة(حكمت العراق: (337- 448ه) وببغداد أيضاً، إذا ظل الحشد الولائي حراً في قيادته وتسليحه، وخضوعكم لمشيئة قادته. احذروا يا رؤساء العراق، إمّا الموافقة على ما يحصل، وإما ما واجهه الطَّائع وغيره سيمارس عليكم، إذا ظلت الميليشيات تجول وتصول، تُشكل ما عُرف بالدَّولة العميقة، تُدير البلاد! 

* كاتب عراقي