ما بين خبر اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وخروج الرئيس اللبناني السابق ميشال عون من السلطة، حالة من التفاؤل والتشاؤم حول مستقبل لبنان، في ظل ظروف اقتصادية غير مسبوقة، ستزداد صعوبة مع الفراغ السياسي الذي تدخله البلاد. تزامن الاتفاق مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الطاقة الأوروبية، بسبب نقص إمدادات الغاز الروسية، ما وفر الأرضية المناسبة والدافع لايجاد بدائل جديدة للغاز، كما يأتي كذلك قبل أيام قليلة من الانتخابات الإسرائيلية التشريعية، ما قد يصب في صالح رئيس الوزراء الإسرائيلي «يائيرلابيد» الذي يقود تحالف «هناك مستقبل» في مواجهة ائتلاف بنيامين نتنياهو، لو افترضنا جدلاً أن الاتفاق سيقلل من احتمالات التصعيد ما بين إسرائيل و«حزب الله».

سيصبح «حقل كاريش» بموجب الاتفاق لإسرائيل، والذي بدأ في إنتاج الغاز فعلياً بكميات ستتصاعد بشكل مرحلي، بينما يضمن الاتفاق «حقل قانا» للبنان، والذي يفترض أن تبدأ شركتا ايني الايطالية وتوتال الفرنسية أعمال التنقيب عن النفط والغاز بهما، في عملية قد قد تحتاج لسنوات قبل البدء في استخراج الطاقة. ولذلك، سيتيح اتفاق ترسيم الحدود البحرية انطلاق إنتاج الغاز لإسرائيل بشكل فوري، وبدء التنقيب للبنان في ظل انهيار المنظومة اللبنانية الاقتصادية بشكل كامل.

لفت انتباهي تصريحات الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، الذي اعتبر الاتفاق «انتصاراً» متحدثاً عن نهاية العمليات العسكرية، أو ما يسمى بمحور المقاومة، في ازدواجية واضحة للمعايير، فحسن نصر الله نفسه من قام بتخوين الدول الموقعة للاتفاقيات الإبراهيمية للسلام، ما يعكس استفادة «حزب الله» بشكل مباشر من عائدات الاتفاق المستقبلية.

من الواضح أن استكمال الاتفاق من الجانب اللبناني، جاء بمباركة «حزب الله»، المسيطر على الحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، ما وضع حسن نصر الله في موقف محرج أمام مناصريه، تحديداً عند معرفة مواقفه الرافضة بالاعتراف بإسرائيل، إلا أنه هذه المرة حاول التنصل من الإحراج، عبر التركيز على المنافع الاقتصادية، وهو ليس بغريب على منهج الجماعات الإرهابية، التي تلبس قناع المقاومة لتحقيق مكاسب مشبوهة، علماً بأن «يائير لابيد» الذي وصف الاتفاق بالإنجاز السياسي، معتبراً أن لبنان اعترف بدولة إسرائيل من خلال موافقته على الاتفاق.

يمر لبنان بانهيار اقتصادي من بين الأسوأ في العالم، وفقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار، ويعيش الشعب اللبناني أوضاعاً معيشية صعبة، في ظل انقطاع الكهرباء.

ولذلك، جاء خبر اتفاق ترسيم الحدود البحرية في وقته، لإنقاذ لبنان ولو -بعد سنوات قليلة- من التداعيات الكارثية، ولكن هنا أتساءل، هل ستستغل الدولة اللبنانية عائدات حقل قانا مستقبلاً في تحسين حياة المواطن اللبناني في ظل أزمة فراغ سياسي؟ وهل سيتجاوز لبنان أزمته الاقتصادية في ظل سيطرة «حزب الله» على مفاصل الدولة؟

* إعلامية وكاتبة بحرينية.