المؤتمر الوطني العشرون للحزب الشيوعي الصيني الذي عُقد مؤخراً منحَ الرئيس الصيني شي جين بينغ ولايةً جديدةً من خمس سنوات، مانحاً إياه صلاحيات إضافية. صحيح أن الناتج المحلي الإجمالي الصيني لم يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بعد، غير أن هناك فرقاً مهماً بين بنية السلطة وتوزيع الصلاحيات داخلها في كل من الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية.

والواقع أنه لم يحدث أبداً في تاريخ البشرية أن عرف بلد نمواً مماثلاً على مدى فترة زمنية طويلة كهذا الذي عرفته الصين: فقد انتقلت من 2٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1979، علماً بأن أولى الإصلاحات الاقتصادية الصينية بدأت عام 1978، إلى أكثر من 18٪ حالياً. كما أن ناتجها المحلي الإجمالي، الذي كان يمثّل 10٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي في عام 2001، بات يمثّل 70٪ منه حالياً. لكن الرئيس بينغ يتجنب دفع بلاده إلى عملية تحرير مفرطة تفضي إلى تحريرِ قوى قد تقوم بتحدي قوتها الفائقة لاحقاً.

والواقع أن الصين شهدت عملية تحديث بالفعل، لكنها لم تشهد تحريراً اقتصادياً بالمفهوم الغربي. والأهم من ذلك أنها لم تخضع لـ«تغريب»، وإنما تبدو عاقدةً العزمَ على الاستمرار في التحرك بما يخدم مصالحها الوطنية وعدم اتباع الأجندة الأميركية.. بل على العكس من ذلك، باتت الصين تتحدى الزعامة الأميركية للعالم وتطعن فيها. والميثاق الضمني الذي كان يجمع البلدين، والذي كان يقضي بألا تشكك الصين في الهيمنة الأميركية على العالَم طالما أن الولايات المتحدة لا تطعن في النظام الصيني، لم يعد قائماً.

وإن قال الرئيس الصيني السابق دينج شياو بينج إنه يرغب في «أخذ الوقت وإخفاء القوة»، فإن شي جين بينغ يريد الآن مكانةَ الزعامة لبلده. لكن، متى سيتجاوز الاقتصادُ الصيني الاقتصادَ الأميركي؟ الواقع أن هذا اتجاه يبدو حتمياً ولا مفر منه، لكن هذا لا ينبغي أن يمنع من الإشارة إلى بعض الظواهر التي يمكن أن تعرقل الصعود الصيني حال عدم إيلائها الاهتمام الكافي من جانب الصينيين. أما الظاهرة الأولى، فهي حديثة وتتعلق بإدارة جائحة «كوفيد -19».

والواقع أنها شكّلت ميزة في البداية، إذ بدت التدابير الصارمة التي اتخذتها السلطات الصينية أكثر كفاءة وفعاليةً مقارنة ببلدان أخرى.

غير أن تمديد سياسة «صفر كوفيد» أدى إلى فصل الصين وعزلها اقتصادياً على الأقل، مما شكّل كابحاً للتنمية ولنمو التبادلات التي تُعد أساسية للاقتصاد الصيني. ومن جهة أخرى تشهد الصين هي كذلك على غرار بعض الدول الصناعية الكبرى مثل اليابان وألمانيا، حالةً من «شيخوخة السكان»، إذ تخلّت عن سياسة الطفل الواحد في السنوات الأخيرة، وبات مسموحاً بإنجاب 3 أطفال، لكن من دون أن يؤدي ذلك إلى استئناف الولادات بمعدلات مرتفعة.

لكن، ومن منظور أميركي، هل الصين عدو أم منافس؟ الحقيقة أنه إذا كانت الولايات المتحدة ترغب في انضمام دول أخرى إلى حملتها المناوئة للصين، فإنه ليس من الأكيد أن يكون ذلك في مصلحة هذه الأخيرة.

وبالطبع، ينبغي للجميع الدفاع عن مصالحه الاقتصادية وسيادته إزاء الصين. غير أن الدول الأخرى ليست مضطرة لتبني الأجندة نفسها التي تتبعها الولايات المتحدة إزاء بكين. فالصين شريك أحياناً، ومنافس أحياناً أخرى، لكنها ليست عدواًّ استراتيجياًّ.

وعليه، فإن صعود الصين يطرح تحدياً بالنسبة للدول الأخرى التي تتعين عليها مقاومة الضغوط الأميركية حتى لا تُرغم على الانحياز إلى أجندة واشنطن المناوئة للصين، والتي ما فتئت تكثِّف الضغوط عليها منذ بداية الحرب في أوكرانيا. بل ينبغي النظر إلى الصين كما هي، أي كأنموذج جذاب بالنسبة للعديد من البلدان، وهذه حقيقة واضحة، لاسيما في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية حيث تحتاجها هذه البلدان كشريك.

وخلاصة القول هي أن الصين تطرح تحدياًّ ينبغي على البلدان الغربية أن تعرف كيف تواجهه، إلا أنه لا يمكن توفير جواب دائم عليه من خلال أحكام أخلاقية متسرعة أو إدانات شفهية ارتجالية، وإنما ينبغي النظر إلى الصين بعيون الواقعية.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية -باريس