في خطوة عظيمة نحو التعايش والوئام بين مجتمعات الشرق والغرب، عُقد في البحرين ملتقى عالمي للحوار والتعايش وهو الثاني على مستوى الخليج بعد ثلاث سنوات من توقيع وثيقة «الأخوّة الإنسانية» في أبوظبي، في الرابع من فبراير 2019، خلال تظاهرة استضاف آنذاك عدداً من أبرز الشخصيات الفكرية وممثلي الأديان من مختلف دول العالم، وكانت الوثيقة حدثاً تاريخياً هاماً لتأطير الوئام والتعايش بين الشعوب. 
انطلق ملتقى البحرين للحوار، والذي حمل عنوان «الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني»، في المنامة يوم الخميس الماضي بتنظيم وإدارة مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي ومجلس حكماء المسلمين -ومقره في دولة الإمارات- والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية. واستمرت أعمال الملتقى على مدى يومين، وشارك فيه البابا فرانسيس وشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وعددٌ من القيادات الدينية والفكرية رفيعة المستوى، وذلك عبر عدة جلسات. وكان لكلمة وزير التسامح والتعايش في دولة الإمارات معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان أثر بالغ في الملتقى، حيث أشار إلى أن «الملتقى يؤكد ضرورة أن يكون الطابع الروحي للأديان، والقيم الإنسانية التي يشترك فيها البشر في كل مكان، أساساً لإحداث تغييرات قانونية، وأدبية، وأخلاقية، وسلوكية، واقتصادية في حياة الناس تحقق التعارف والحوار والعمل المشترك بين الجميع لما فيه مصلحة الجميع».
وطُرحت خلال الملتقى قضايا متنوعة، في مقدمتها السعي نحو تكريس التعايش السلمي ومواجهة التطرف والكراهية وتشجيع الحوار وحقوق الممارسات الدينية.. وهو ما بدأته البحرين عملياً بتمهيد الطريق في ذلك الاتجاه منذ إعلانها إنشاء كاتدرائية «سيدة العرب» كدليل على رغبة القيادة البحرينية في منح أتباع الديانات كافةَ الحقوق في ممارسة شعائرهم، إذ تضم البحرين الجالية الأكبر من المسيحيين الكاثوليك في المنطقة. وعلى كل حال فقد لعبت البحرين دوراً محورياً في تاريخ المسيحية في منطقة الخليج، إذ كانت قرية سماهيج بجزيرة المحرق مقراً للمقعد الأسقفي لكنيسة المشرق خلال القرن الخامس للميلاد بحسب المراجع التاريخية.
وتفتح هذه الملتقيات العظيمة بين الشرق والغرب، وبين الأديان بصفة خاصة باباً واسعاً للتعايش والانسجام وقبول الآخر واحترامه بكل ما يحمله من معتقدات وأفكار. فالتسامح بكل أشكاله لا ينبت في أرض يباب، بل هو نبتة تحتاج السقايةَ والرعاية لتكريس مبادئ القبول وتناغم الشعوب وتقبّل الأفكار والأطياف والمذاهب والأديان. 

والتسامح أسلوب حياة عصري رفيع يجنّب المجتمعات الفتنَ والتطرف والإرهاب وينشر بين جنباتها الوئام والود والتعايش والهدوء، لذلك تسعى دول الخليج إلى تكريس قيم التعايش والتسامح وحوار الأديان من خلال مبادرات كثيرة حدثت خلال السنوات القليلة الماضية، مثل «وثيقة الأخوّة الإنسانية» الموقّعة في الإمارات، و«ملتقى الشرق والغرب» في البحرين، و«ملتقى القيم المشتركة بين الأديان» في الرياض.
إن التسامح والحوار والتعايش قيّم باتت ضرورة وحتمية للبقاء وليس مجرد خيارات للرفاه، بل هي درع صلب ضد اختراقات التطرف وخطابات التحريض والكراهية.. إذ من دون التناغم بين أطياف المجتمعات، وبينها بين شعوب العالَم، لن تقوم لحضارتها قائمة. والتنوع البشري بمشتركاته «الإنسانية» هو الفسيفساء التي تتشكل من خلالها الحضارات بألوانها وتعدديتها واختلاف ثقافاتها تحت شعارات الإنسانية في عالم سادت فيه تيارات العنف والتطرف والإرهاب وصعود موجات اليمين المتطرف وحالة الإسلاموفوبيا المتزايدة!

*كاتبة سعودية