جاء شعار «منتدى أبوظبي للسلم» هذا العام موفقاً للغاية: عولمة الحرب وعالمية السلام. وهو شعار يعبِّر عن مجمل مشروع معالي العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، والتي تلخصها عبارته الذهبية التي نقلها عنه الرئيس الأميركي باراك أوباما في إحدى خطبه في الأمم المتحدة: «يجب إعلان الحرب على الحرب.. لتكون النتيجة سلماً على سلم».
جاءت كلمة معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش وكلمة معالي عبد الله بن بيه رئيس المنتدى.. بمثابة لغتيْن في خطاب واحد. إنه خطاب الحوار والتسامح والاحترام المتبادل وتعزيز قيم السلم، وكذلك مواجهة العنف والتطرف، ووقف الحروب التي تهدد عالمنا ومستقبل حضارتنا.
لطالما كنتُ معجباً باجتهادات العلامة الشيخ بن بيه، ولا سيما في شرعنة الدولة الوطنية إسلامياً، وتفنيد أطروحات المتطرفين في حتمية إلغاء الدول الإسلامية، وإقامة دولة مركزية واحدة باسم الخلافة. ولقد كانت هذه الأطروحات هى الأساس الذي تغذت عليه دماء لا حصر لها في كل العالم الإسلامي، وعبر قرون طويلة.
وليس غريباً بالطبع أن يكون مشروع جماعة «الإخوان»، وكذلك تنظيميْ «القاعدة» و«داعش»، وكل النسخ الصادرة عنها.. من طالبان إلى بوكوحرام، هو إلغاء الدولة وإقامة الخلافة.
قتل تنظيم «داعش» الآلاف بوحشية غير مسبوقة، وارتكب تنظيم «القاعدة» جرائم عديدة في مساحات جغرافية شاسعة، وكان شعار ذلك كله: «الطريق إلى الخلافة»!
يقول العلامة بن بيه: إن الوحدة الإسلامية محلّ أشواق لدى البعض، ومحل إشفاق لدى البعض الآخر.. يقوم الإسلام على مركزية قيم العدل والإحسان: لا تؤمنوا حتى تحابّوا، ومثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمي.. إن الوحدة لا تعنى أن يكون المسلمون كلهم في كيان سياسى واحد. الدولة الوطنية شرعيّة، والإسلام يحرِّم القتال لأجل إقامة الكيان الواحد.. دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم حرام.
يواصل الشيخ بن بيه: إن راية الخلافة التى يحملها المتطرفون.. راية وهميّة، ولا تقوم على أسس شرعيّة.. إن دولة الخلافة هى صيغة حُكم غير ملزِمة.. ولا يجوز نزع الشرعية عن الدولة الوطنية.. في زمن النبى – صلى الله عليه وسلم – كانت توجد دولة أخرى رأسها ملكٌ مسلم.. هو النجاشى الذي أسلم، وتركه النبى في مُلكِه هناك في الحبشة، ولم يأمره بالهجرة أو المجيء.. لقد تجاوز علماؤنا ذلك، وذكروه في باب الجنائز.. حين أَطْلع الله نبيّه غيباً على وفاة النجاشي.. فقام وكبّر أربع تكبيرات عليه.. إن دولة الخلافة وهْم، وقتْل النفوس من أجلها لا مبرِّر له شرعيًاً.
إن العالم يواجه اليوم تحديات غير مسبوقة، حتى إن الرئيس الأميركي جو بايدن تحدث عن معركة هرمجدون ونهاية العالم، كما حذر أمين عام الأمم المتحدة من أن العالم بات أقرب إلى النهاية أكثر من أي وقت مضي. 
إن رسالة مؤتمر «منتدي أبوظبي للسلم» هذا العام هي: بينما يسعي البعض لعولمة الحرب.. نحن نسعي لعالمية السلام.
* كاتب مصري