بعد أسابيع من عناوين الأخبار المتشائمة، والمناقشات الصاخبة، ومليارات الدولارات التي أُنفقت على الحملات الانتخابية، وما لا نهاية له من الإعلانات التلفزيونية السلبية، والتنبؤات بالفوضى والعنف.. صوّت الأميركيون أخيراً يوم الثامن من نوفمبر في الانتخابات النصفية. لقد كانت ليلةً أفضل مما كان متوقعاً بالنسبة لجو بايدن، وليلةً سيئةً بالنسبة لدونالد ترامب، وخبراً ساراً جداً بالنسبة لحاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس.

النتائج الأولية للانتخابات جاءت مخالفةً لما توقعه الخبراء، إذ لم تكن هناك «موجة حمراء» عملاقة من الانتصارات «الجمهورية». وحينما يتم الانتهاء من عدّ كل الأصوات، قد يتمكن «الجمهوريون» من انتزاع انتصارات صغيرة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، لكنها لن تكون الانتصارات الكاسحة التي كانوا يمنّون أنفسَهم بها.

وفي الوقت الذي أكتب فيه هذه السطور، ما زال من المبكر الجزم بما إن كان الديمقراطيون سيستطيعون الحفاظ على مجلس الشيوخ. غير أن هناك عدداً من الاستنتاجات المهمة بشأن النتائج المتوفرة حتى الآن. أولاً، بالنظر إلى معدلات شعبيته المتدنية وسنه والاقتصاد، لا بد أن الرئيس جو بايدن سعيد للغاية بالنتائج.

ولو حدثت «موجة حمراء»، لتَعرَّض بايدن لضغط قوي من أجل إعادة النظر في آماله بشأن محاولة إعادة الانتخاب في عام 2024. كما أن أداءً ضعيفاً من جانبه كان سيؤدي إلى إضعاف سلطته ونفوذه بين القادة الأجانب.

لكن بدلاً من ذلك، سيذهب بايدن إلى قمة مجموعة العشرين في بالي الإندونيسية يوم 15 نوفمبر مدعوماً بنتائج الانتخابات النصفية التي ستُعزز قدرتَه على طمأنة الحلفاء الغربيين، وإرسال رسالة إلى روسيا والصين، بأن الولايات المتحدة ما زالت ملتزمة بالدفاع عن أوكرانيا والمؤسسات الغربية.

ويبدو الآن تقريباً أن كل المرشحين الذي انتقاهم دونالد ترامب بعناية، والذين ما زالوا يعتقدون أن انتخابات 2020 «سُرقت»، خسروا سباقاتهم الانتخابية إلى مناصب حكام الولايات ومقاعد مجلس الشيوخ. هذا الأداء الضعيف لمرشحي ترامب يتباين مع النجاح الكبير الذي حققه حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس الذي تمكن من إعادة الانتخاب، وتجنبَ التواصل مع ترامب، ولم ينخرط أبداً في ترديد أسطورة «الانتخابات المزورة».

ونتيجةً لذلك، ينبغي اعتبار ديسانتيس الآن المرشح الأوفر حظاً من بين الجمهوريين لمنافسة ترامب على الترشح لانتخابات البيت الأبيض باسم الحزب الجمهوري في عام 2024. وفي غضون ذلك، لا شك أن ترامب سيركز كل خطابه وسمّه الآن على ديسانتيس. لكن ترامب، وبالنظر إلى تجربته في تنظيم الحملات الانتخابية وخوضها، قد يخرج منتصراً وينجح في الظفر بترشيح الحزب الجمهوري لانتخابات 2024 الرئاسية. بعض «الديمقراطيين» يأملون حدوث ذلك، إذ ما زالوا يعتقدون أن ترامب يفتقر للشعبية بين أغلبية من الأميركيين وأن ديسانتيس سيكون مرشحاً من الصعب هزمه.

نتائج استطلاع الرأي لدى خروج الناخبين من مكاتب الاقتراع تشير إلى أن الأميركيين ليسوا منبهرين جداً بإعلانات الحملة الانتخابية الكثيرة جداً حول الجريمة والهجرة التي ركز عليها الجمهوريون. صحيح أن الاقتصاد والتضخم كانا موضوعين مهمين بالنسبة للناخبين، لكن كذلك الحال أيضاً بالنسبة للمخاوف بشأن الإجهاض والتعليم وتآكل الديمقراطية والخوف من العنف الداخلي المنظم. وتشير الأدلة المتوفرة حتى الآن إلى أن عمليات التصويت في معظم الولايات جرت على ما يرام.

ولئن كانت هناك ربما بعض حالات ترهيب الناخبين، فإن العملية الانتخابية المعقدة برمتها تكللت بالنجاح. بعبارة أخرى، إن السلامة المؤسسية لآليات التصويت تبشّر بالخير بالنسبة للمستقبل. وكما لاحظ الكثيرون، فقد كان يوماً عادياً خالياً من العنف والتدخل في العملية الانتخابية.

وهذا لا يعني أن العامين المقبلين سيكونان خاليين من المشاكل ومحاولات العرقلة. ذلك أنه إذا تمكن الجمهوريون من السيطرة على مجلس النواب، فإنهم سيشرعون على الفور في سلسلة من التحقيقات في سياسة إدارة بايدن، بما في ذلك عملية الانسحاب العسكري من أفغانستان التي اعتراها الكثير من الفوضى، وكذلك إدارة أزمة «كوفيد- 19». كما ستكون لدى الجمهوريين أيضاً القدرة على إبطاء التشريعات التي يقترحها الديمقراطيون أو إيقافها. غير أنهم إذا اضطروا للحكم بأغلبية صغيرة، فعليهم أن يفكروا في ما سيتعين عليهم أن يقدّموه للناخبين من نتائج حين يحتدم موسم انتخابات 2024 في غضون عام وبعض العام من اليوم.

وفي الأثناء، ربما يجدر بالجمهوريين الذين يتحلون بالحصافة والتبصر إثبات أنهم قادرون على التوافق وتقديم بعض التنازلات، وبالتالي العمل مع بايدن بخصوص بعض التشريعات التي تفيد الصالح العام. تقييم أشمل لما ينتظر أميركا في المرحلة المقبلة سيُكتب الأسبوع القادم حين تُعرف كل نتائج الانتخابات.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست»- واشنطن