شهدت الانتخابات التشريعية النصفية في الولايات المتحدة الأميركية منافسة محمومة بين الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» من أجل السيطرة على مجلس النواب ومجلس الشيوخ، وهما معا يُشكلان السلطة التشريعية الأميركية. ومنذ تأسيس المجلسين في العام 1789، تُظهر الإحصائيات الرسمية أنه منذ عام 1857 سيطر حزب واحد على المجلسين 47 مرة بواقع 22 مرة للحزب «الديمقراطي» و25 مرة للحزب «الجمهوري»، وذلك تحت قيادة رئيس من نفس الحزب.

وفي حال سيطر الحزب «الجمهوري» على المجلسين في الانتخابات الأخيرة، فسوف تكون المرة الأولى منذ العام 2015 التي يقود الولايات المتحدة الأميركية رئيس من الحزب «الديمقراطي» بينما المجلسان التشريعيان تحت سيطرة الحزب «الجمهوري». تاريخيا، ومنذ تأسيس المجلسين إلى الآن يقوم الشعب الأميركي بانتخاب ممثليه في مجلس النواب بطريقة مباشرة كل عامين، بينما شهدت طريقة انتخاب مجلس الشيوخ، الذي تستمر عضويته ست سنوات، مرحلتين.

الأولى في الفترة من 1789 إلى العام 1913 حيث كان يتم الانتخاب بطريقة غير مباشرة ومن خلال المُشرعين في كل ولاية، ولكن منذ العام 1913 تبدل الوضع وأصبح انتخاب مجلس الشيوخ بطريقة مباشرة من الشعب. ووفقاً للدستور الأميركي، فإن لمجلس النواب صلاحيات سن القوانين الفيدرالية وإقرارها وتعديلها، وإنشاء مشاريع الموازنة الفيدرالية، ومساءلة الرئيس الأميركي ورفع التوصية بعزله لو تطلب الأمر إلى مجلس الشيوخ.

أما مجلس الشيوخ فأبرز صلاحياته هي السير في إجراءات مساءلة وعزل كبار المسؤولين الفيدراليين، وممارسة سلطة المشورة والموافقة على المعاهدات، ولعب دور مهم في تأكيد (أو رفض) تعيينات معينة، بما في ذلك السفراء وقضاة المحاكم القضائية. ومما سبق تتضح نقطتان، الأولى: أسلوب توزيع الصلاحيات التشريعية في الولايات المتحدة الأميركية بين مجلسي النواب والشيوخ بطريقة تضمن عدم سيطرة جهة على سن وتشريع القوانين والتشريعات فوق الأخرى. والنقطة الثانية هي أهمية أن يتولى الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس الأميركي الأغلبية في المجلسين لكي يتمكن من تمرير القوانين والتشريعات التي يقرها من دون معارضة.

وبالتالي فإن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، «الديمقراطي»، قد يشهد العامين الأخيرين من ولايته سيطرة الحزب «الجمهوري» على المجلسين، الأمر الذي سيؤدي إلى معارضة العديد من القوانين التي سيسعى الرئيس إلى إقرارها. والسبب الرئيس وراء ذلك هو الاستياء الشعبي من أسلوب قيادة (بايدن) ومستويات التضخم غير المسبوقة التي شهدها المواطن الأميركي خلال العامين الأوليين من رئاسته، على الرغم من أن بعض التحليلات تشير إلى أن (بايدن) لا يتحمل بمفرده مسؤولية التضخم، بل هناك عوامل أخرى خارجية تسببت في ذلك.

 وفي حال سيطر الحزب «الجمهوري» على الكونجرس، فإنه قد يسعى إلى بدء تحقيقات ضد أفراد من إدارة وأسرة الرئيس الأميركي مقابل التحقيقات التي تجري ضد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بجانب عرقلة ترشيح القضاة الذين يقترحهم الرئيس (بايدن).

ولكن على الرغم من ذلك، فإن المؤشر الأبرز في نتائج الانتخابات التشريعية الأميركية الأخيرة يؤكد الانقسام الواضح في المجتمع بين مؤيدي الحزبين وليس السيطرة المطلقة لناخب حزب على الآخر، بمعنى أن غالبية المواطنين الأميركيين قد صوتوا بناء على الولاء التاريخي للحزب، وليس استناداً إلى الثقة في قادة وسياسات حزب مقارنة بالآخر.

* باحث إماراتي