تزامن مؤتمر (كوب27) للمناخ في شرم الشيخ مع زيارة بابا الفاتيكان للمنامة وملتقى البحرين (حوار الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني) الذي سلّط الضوء على مبادئ جوهرية، الإنسانية جمعاء شديدة الحاجة إليها بعد سلسلة أزمات كبيرة ألقت ولا تزال تلقي بظلالها على العالم.

والمنامة هي ثاني عاصمة خليجية تستقبل البابا ليلتقي برعاياه فيها بعد زيارته لأبوظبي وتوقيعه وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب عام 2019، فدشّنوا بها ما يمكن أن يعزز ثقافة الحوار والتعايش بين الشعوب.

ولعل العالم كله، شرقه وغربه، يدرك حقيقة أن دول الخليج العربي تعمل دوماً على ما يُظهر الأصل والحقيقة في تعاملها مع الغير، وعلى المبدأ الذي يقوم على التسامح والذي هو ديدن أهل المنطقة الذين يبذلون فعلاً لا قولاً فقط جهداً متميزاً في هذا الباب من أجل ترسيخ حقيقة أن التعايش بين الشعوب مسألة متجذرة في وجدانهم، وهو ما مكّنهم من تشارك حياتهم مع ملايين الناس الذين قدموا إلى المنطقة للعيش والعمل فيها.

في شرم الشيخ، المدينة التي استضافت مؤتمر (كوب27) تحت شعار (معاً نحو التنفيذ لتحقيق نتائج عادلة وطموحة)، أكد الخبراء والمتخصصون في قضية المناخ والبيئة أن معالجة آثار التغير المناخي المدمرة للبيئة هي أمر حتمي، ومصيري في الوقت ذاته، وبالتالي فإن مسألة إيجاد حلول لمواجهة تحدياته التي تترك أثرها على حياة الكائنات جميعاً هي قلب عملية التنمية المستدامة.

كما شدد الخبراء على أن التقدم فيما يتعلق بتحقيق الدول التزاماتها الخاصة بمواجهة التغير المناخي يجب أن لا يتأثر بأي ظروف حتى وإنْ كان هذا التقدم بطيئاً للغاية، لأن الأهداف الأهم في هذه المرحلة هي الحد بشكل عاجل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبناء القدرة على الصمود والتكيف مع الآثار الحتمية لتغير المناخ، والعمل على تفادي الأخطار التي حذر منها العلماء في حال ارتفاع درجة حرارة الأرض ما بين (1.5 - 2) درجة مئوية فوق مستوى ما قبل العصر الصناعي، وكل ذلك يتطلب من الدول الكبرى اتخاذ إجراءات جدية وحاسمة.

إن الاحتباس الحراري لم يعد تهديداً بعيداً، بل أصبح ظاهرة تؤثر عميقاً على كوكب الأرض وما عليه من كائنات حية.

ويكفينا هنا الإشارة إلى أحدث تقارير هيئة الأرصاد الجوية العالمية التي كشفت أن العام الحالي شهد آثاراً مدمرة أكبر للبشرية، بما في ذلك أعاصير بنغلاديش، وفيضانات غير مسبوقة في باكستان، وموجات حر شديدة في أوروبا، وحرائق غابات في أميركا الشمالية، وأنهار جافة في الصين، ويباس في أفريقيا.

تلك الكوارث البيئية وغيرها تستدعي ضرورة التحرك سريعاً، وإلا سيزداد الأمر سوءاً وهو ما يدركه الجميع من أصحاب القرار والناس أيضاً. وفي شرم الشيخ أيضاً تسلمت الإمارات الراية من مصر، حيث من المقرر أن يتم تنظيم الدورة المقبلة من المؤتمر بدورته الثامنة والعشرين في العام القادم.

المشاركون في (كوب27) تمنوا أن يكون (كوب – الإمارات) نقطة تحوّل على صعيد ملف التغير المناخي العالمي ومواجهة التحديات الاقتصادية التي تؤثر في حياة شعوب العالم بأسرها، من خلال ضمان مشاركة كبيرة وحضور فعّال لأبرز زعماء العالم وصناع القرار وجميع الأطراف ذات الصلة.

إن التحرك الجاد في الوقت الحالي لن يجنب العالم ما هو أسوأ فقط، لكنه سيحدد أيضاً مستقبلاً أفضل لنا نحن البشر، إذ سيجعل الكوكب أنظف، مع نسبة تلوث أقل، واقتصادات أكثر مرونة، وشعوب أكثر صحة. فهل ثمة من سيتحرك منهم ليسهم في تحسين نوعية الحياة؟!