هل هناك أزمة بين فرنسا وألمانيا، العمودين الرئيسيين للبناء الأوروبي؟

المستشار الألماني قام بزيارة إلى الصين في الرابع من هذا الشهر، زيارة كان يفترض أن يكون مصحوباً خلالها بالرئيس الفرنسي، على اعتبار أن ماكرون كان دعا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في فبراير 2019 خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى باريس، وذلك من أجل تأثير أقوى وإظهار وحدة أوروبية إزاء الصين.

ولكن هذه المرة آثر أولاف شولتز التوجه إلى الصين بمفرده - وإن كان مصحوباً بعدد من رؤساء شركات ألمانية - وذلك بهدف الدفاع عن مصالح ألمانيا التجارية، على حساب جبهة مشتركة فرنسية - ألمانية.

فهل كان ينبغي الذهاب إلى الصين في عز حرب أوكرانيا وبعد أيام من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني؟ من الناحية البراغماتية، يسعى المستشار الألماني إلى الدفاع عن المصالح التجارية الألمانية في بلد يمثِّل سوقاً حيوية بالنسبة للصناعة الألمانية، التي تعاني بعض الصعوبات حالياً، نظراً لأنه لم تعد لديها إمكانية الوصول إلى الغاز الرخيص القادم من روسيا. وتُعد ألمانيا البلد الغربي الوحيد الذي لديه ميزان تجاري يميل لصالحه إزاء الصين.

غير أن هذه الزيارة ليست السبب الوحيد للخلاف بين فرنسا وألمانيا. فعلى الرغم من الصعوبات والتشكيك اللذين تواجههما، إلا أن فرنسا ما زالت تدافع عن مشروع الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية الذي يفترض بألمانيا أن تكون شريكاً له. والحال أن عدة قرارات ألمانية تساهم في إضعاف هذا المشروع وتقويضه. وعلى سبيل المثال، فإن صندوق ال100 مليار يورو الخاص الألماني الذي خصص للنفقات العسكرية الإضافية على مدى 5 سنوات، يعتزم الاستثمار في المعدات العسكرية الأميركية، بما في ذلك مقاتلات «إف 35». فهل معنى هذا أن مشروع الطائرات الحربية الأوروبية في خبر كان؟ وفي الأثناء، توقفت مشاريع طائرات «الهيلوكوبتر» وطائرات الدوريات البحرية والدبابات، أي المشاريع الفرنسية - الألمانية المتعلقة بالصناعة الدفاعية.

فهل تسعى ألمانيا إلى القيام بلفتة تجاه واشنطن حتى تسامحها هذه الأخيرة وتغفر لها علاقاتها المتطورة على الصعيد التجاري مع الصين، في الوقت الذي تدعو فيه الولايات المتحدة إلى تقليصها؟ مهما يكن، يبدو أن ألمانيا توجد إزاء اعتماد مزدوج: تجاري إزاء الصين، واستراتيجي إزاء الولايات المتحدة. والواقع أن البلدين يريان كيف أن الحرب في أوكرانيا تزعزع استقرارهما بشدة.

فالنموذج الاقتصادي الألماني، القائم على طاقة رخيصة قادمة من روسيا، في أزمة، وألمانيا يمكن أن تشهد ركوداً اقتصادياً العام المقبل. أما فرنسا، فترى نموذجها لميزة استراتيجية - تعاون مع روسيا واستقلالية استراتيجية إزاء الولايات المتحدة - قد أصبح محل شك أيضاً، إذ يبدو أن أي بلد في أوروبا لم يعد يرغب فيه. في هذا الوضع، وبينما أصبح البلدان موضع تساؤلات من قبل بولندا وبلدان البلطيق بسبب مفاوضاتهما الطويلة جداً مع روسيا، وبدلاً من القيام برد فعل مشترك، وتحديداً في الوقت الذي يُعتبر فيه الاتحاد ضرورياً أكثر من أي وقت مضى، يبدو أن البلدين سلكا طريقين منفصلين. غير أنه حتى إذا أصبحت ألمانيا أول ميزانية عسكرية في أوروبا، فإنه لن تكون لديها الاستقلالية الضرورية للعب دور مهم بهذا الخصوص: ذلك أنها لا تمتلك السلاح النووي خلافاً لفرنسا، وليس لديها مقعد العضو الدائم في مجلس الأمن الدولي الذي تتمتع به فرنسا. ومن جهة أخرى، نعلم أن الانتخابات في الولايات المتحدة يمكنها أن تجعل ضمانة الحماية الأميركية المزعومة موضعَ شك، وأن الاستقلالية الاستراتيجية الأوروبية، على المدى الطويل، مجرد احتراز إزاء حالات عدم اليقين الأميركية في ما يتعلق بالإدارات المقبلة. ذلك أن أوروبا لا يمكنها التعويل على اختيار بعض الناخبين في ولاية أميركية متأرجحة، وخاصة حين يتعلق الأمر بقضايا استراتيجية.

إزاء اتهامات بضع البلدان في شرق الاتحاد، تريد ألمانيا أن يغفر لها فتقرر تقليص قربها من فرنسا. ولكن هذا الأمر لا يبدو أنه القرار المثالي. والواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي تسلك فيه برلين هذا الاتجاه. ففي بداية جائحة «كوفيد 19»، قررت ألمانيا إغلاق حدودها مع فرنسا بشكل أحادي الجانب.

ولكن في النهاية انتصر العقل. وبعد ذلك، سمح التعاون الفرنسي - الألماني بتبني مخططاً طموحاً للإقلاع الاقتصادي على الصعيد الأوروبي. وعلى غرار ما حدث مع إدارة جائحة «كوفيد 19»، فإن المأمول الآن هو أن تدرك ألمانيا بأن أخذ المصالح المتبادلة في عين الاعتبار، والتعاون الفرنسي-الألماني، من شأنهما أكثر أن يسمحا بخروجهما من الأزمة التي تسببت فيها الحرب في أوكرانيا بأقل الخسائر.

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.