المشهد الإعلامي في العالم يشهد تحدياتٍ غير مسبوقةٍ وهو في منطقة الشرق الأوسط أكثر ازدحاماً وتناقضاً، حيث تحتدم صراعات السياسة والأيديولوجيا والهويات والإعلام يعبّر عن ذلك كله، سواء كان تقليدياً أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والتي باتت شهرتها وانتشارها مغرياً لاستخدامها لكل الساعين للتأثير.

الإعلام متشعبٌ ومتعددٌ بطبيعته، ففيه الإعلام الإخباري والترفيهي والرياضي والاقتصادي وغيره، بمعنى أنه معبّرٌ عن الحياة بطبيعتها وتشعبها وعن البشر باختلاف مشاربهم ورغباتهم، وفيه المقروء والمرئي والمسموع، وفيه المنصات الجديدة والبودكاست وهو في تطور مستمرٍ في وسائله وأدواته.

انعقد في أبوظبي الأسبوع الماضي «الكونغرس العالمي للإعلام» في نسخته الأولى، وهو حدثٌ مهمٌ لتجمع وسائل الإعلام وتبادل الخبرات وبناء الشراكات والتطلع لتطورات المستقبل رؤية ومشاركة في الاستشراف والتأثير، وعقدت صحيفة الاتحاد جلسة حوارية تحت عنوان «الإعلام الوطني في عصر الرقمنة» شارك فيها عدد من المتخصصين وكتّاب الصحيفة، وشارك فيها كاتب هذه السطور.

الإعلام الإخباري، وهو الموضوع الرئيس هنا بالغ الأهمية، والإعلام الرسمي أو شبه الرسمي هو العمدة من حيث مصداقية الخبر والوثوق بالمصدر والحرص على صوابية التحليل من حيث المبادئ الوطنية، وهو المعني بترتيب الأولويات الوطنية، ووضع الأخبار ضمن الرؤية الوطنية الشاملة، إنه يخلق لها السياق الذي تتم قراءتها من خلاله.

وسائل التواصل الاجتماعي ليست وسائل إعلام، وإن استخدمتها وسائل الإعلام والدول والأحزاب والجماعات والجمعيات للترويج والتسويق بناء على سهولة الوصول إليها وسعة انتشارها، وهذه الوسائل هي تعبيرٌ عن فكرة «التفاهة الممنهجة» التي يمرّ بها العالم وسبق لكاتب هذه السطور تناولها بالتفصيل في 2016 وهي مفيدة في التعبئة والحشد، لا في التوعية والعلم.

الظنّ بأن وسائل التواصل الاجتماعي محايدةٌ تماماً ظنٌ خاطئ، فهي استثماراتٌ لشركاتٍ كبرى ذات توجهات سياسية وأيديولوجية معروفة، والصراع بينها وبين مؤسسات الدول قائمة ومعروفة في أميركا وفي غيرها، حيث شكّلت خطراً حقيقياً على أمن الأفراد والمجتمعات برفض بعضها التعاون مع المؤسسات الأمنية في حوادث متعددة.

لمواجهة هذا التطوّر في وسائل الاتصال والتواصل وجدت وسائل الإعلام التقليدي نفسها مضطرةً للانخراط في هذه الوسائل، وهذا ليس خطأً وإنما الخطأ يحدث حينما يتخلى الإعلام التقليدي عن دوره ورصانته ومصداقيته ليجاري «العبث السوشيلي»، وقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً للتجمع والتنظيم والحشد، لبناء الشائعات واستهداف الدول والرموز ونشر الفوضى، وقد سعت بعض الدول لبناء مجموعاتٍ «سوشلية» منظمةٍ للدفاع عنها وعن مواقفها وسياساتها، وهو أمرٌ جيدٌ، ولكنّه ينجح في إدارة المعارك لا في بناء المدارك، فهو مفيدٌ في المعركة وليس مفيداً في الحرب.

الإعلام التقليدي بحاجة حقيقيةٍ إلى التطوير في الوسائل والوسائط. الورقي والرقمي، ومع الإقرار بأولوية «الأمن» على ما سواه بالنسبة للدول فإن الإعلام يجب أن يطالب بحقه في الحرية المنضبطة بالضوابط الوطنية، ليبقى حاضراً ومؤثراً في الرأي العام وقادراً على استقطاب الكفاءات الشابة.

إن شأن الإعلام الإخباري أكبر من أن يترك للاقتصاديين والمستثمرين والتجّار وحدهم، فالقوة الناعمة للإعلام لا يمكن لمستثمري البنوك حسابها بالأرقام، ونجاحاتهم في تقليصه والتقتير عليه مادياً هي فشلٌ في القوة الناعمة للدول وفي التأثير وصناعة الرأي العام، وبناء الأجيال وترقية الوعي.

أخيراً، فدول الخليج العربي دولٌ ناهضة بقوةٍ في المكانة الإقليمية والدولية وإضعاف إعلامها الإخباري في هذه المرحلة إضعافٌ لدورها وتأثيرها وتقليص لحضور نجاحاتها وإبداعاتها، والنجاح في وسائل الإعلام يحتاج زمناً مستحقاً والمحافظة عليه تحتاج جهداً مستمراً وعملاً دؤوباً، ولكن الثمرة كبيرةٌ والنتائج بالغة الأهمية والأثر.

* كاتب سعودي