تستضيف مدينة فاس يومي 22 و23 المنتدى العالمي التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، بمشاركة شخصيات دولية كبيرة ومسؤولين وصناع قرار ومفكرين وممثلي مجتمع مدني دولي وأكاديميين وجامعيين. وقد سبق أن أعرب نائب الأمين العام للأمم المتحدة، الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، ميغيل أنخيل موراتينوس، بهذه المناسبة، عن خالص شكره لصاحب الجلالة الملك محمد السادس على موافقته على استضافة هذا الحدث الدولي المهم، مؤكداً أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، سيشارك بنفسه في المنتدى العالمي، كما أن اختيار المملكة المغربية، وعلى وجه الخصوص مدينة فاس التاريخية، لاستضافة المنتدى العالمي التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات، ليس وليد المصادفة، إذ تعد مدينة فاس عاصمة أبدية لتمازج الحضارات والثقافات وقِبلة سرمديةً لمختلف الشعوب، وقد استطاعت على مر العصور بناء الأسرة الإنسانية الواحدة والبيت المجتمعي المشترك.
وانطلاقاً من محاور المؤتمر المتنوعة التي ستجمع أكثرَ من ألف شخصية عالمية، والتي سيكون لي فيها حظ المشاركة، يجب الجزم بأن هناك حدوداً يتعين على العولمة ألا تلغيها. تلكم التخوم التي تمكننا من الانتقال من ثقافة نحو أخرى، وتعلّمنا أنه ليس هناك لغة واحدة بل لغات متعددة، وأن كونية الإنسان تتجسد في كل ما هو خاص، وأنه يجب علينا الحفاظ على هذا الغنى كما نحافظ على الممتلكات النفيسة للإنسانية. وليست مناطق الإنسان فقط مادية أو جغرافية، بل إنها أيضاً مناطق روحية وثقافية.. وفي هذه المناطق والمجالات أيضاً يصاغ السلم العالمي، وتتحدد مصائر الأمصار، وتترسخ قواعد التسامح بين الناس. 
ومهما كانت نوعية الحضارة، أفريقيةً كانت أم إسلامية أم غريبة أم غير هذا وذاك، فهي نتاج تلاقح شعوب عدة تنتمي إلى ثقافات متعددة تصب جميعها في اتجاه تتشكل منه الحضارة. لذلك فإن لا ترتبط بجنس من الأجناس، ولا تنتمي إلى شعب من الشعوب، على الرغم من أن الحضارة قد تنسب إلى أمة من الأمم أو إلى منطقة جغرافية من مناطق العالم، لكنها نسبة على سبيل التعريف ليس إلا، بخلاف الثقافة التي هي رمز للهوية، وعنوان على الذاتية، وتعبير عن الخصوصيات التي تتميز بها أمة من الأمم، أو يتفرد بها شعب من الشعوب. فالحضارة وعاء يضم ثقافات متنوعة تعددت أصولها وتباينت مشاربها واختلفت مصادرها.. لكنها امتزجت وتلاقحت فشكّلت خصائصَ الحضارة التي تعبّر عن الروح الإنسانية في إشراقاتها وتجلياتها وتعكس المبادئ العامة التي هي قاسم مشترك بين الروافد والمصادر والمشارب جميعاً. 

ومن ذلك يتضح أن الحوار لا يمكن أن يكون بين الحضارات والثقافات، وإنما يكون بين ممثلي الحضارات والثقافات، لأن الحضارات والثقافات كيانات معنوية لا تتحاور فيما بينها، وإنما أصحابها، انطلاقاً من الموروث الحضاري والثقافي عندهم، هم مَن يتحاورون فيما بينهم.. فقل نوع الأجيال التي يربيها بلدٌ ما كي أقول لك نوع الحضارة الممكنة في هذا البلد! 

*أكاديمي مغربي