في النصف الثاني من القـرن العشـرين، شهد العالم صعودًا مبهرًا لمجموعات اقتصادية، ارتكازًا على أفكار ريادية ساعدت في تحقيق قفزات هائلة، خلال زمن قياسي. واليوم، نرى تحولًا كبيرًا للاقتصاد العالمي من الاقتصاد الصناعي إلى اقتصادٍ أصبحت فيه القوة الأكثر أهمية هي القوة المتنامية للأفكار، وزيادة الطلب على الخدمات الإبداعية والمحتوى الإنتاجي الجديد، الذي يتعاظم عامًا بعد عام.

وفي دولة الإمارات، يُشكّل الاقتصاد الإبداعي ركيزة أساسية في استراتيجية الدولة خلال الـ50 عامًا المقبلة؛ حيث تسعى الحكومة الرشيدة بخطى ثابتةً لأن تكون مركزَ جذبٍ للمبدعين من مختلف أنحاء العالم في مجالات الإبداع كافة، وأن تؤدّي دورًا رئيسيًّا في تطوير مهاراتهم، وأن تكون بيئة حاضنة للأفكار والمشروعات الإبداعية؛ خصوصًا أن الصناعات الابداعية تُعَدُّ من أسرع القطاعات الاقتصادية نموًّا في العالم؛ بإيرادات عالمية تُقَدّر بنحو 2.250 تريليون دولار سنويًّا، كما أنها تُوفّر 30 مليون وظيفة، ويُتوقع أن يَصل إسهامها إلى 10% من الناتج المحلّي الإجمالي العالمي. 

وتُعَدّ دولة الإمارات من الدول السبّاقة إلى تبنّي الاقتصاد الإبداعي؛ إذ أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الاستراتيجية الوطنية للصناعات الثقافية والإبداعية، في نوفمبر 2021، وهي الأولى من نوعها في العالم العربي، وتهدف إلى النهوض بالقطاع، وتعزيز حجمه، وزيادة إمكاناته، وتحفيزه ليكون ضمن أهمّ 10 صناعات اقتصادية بالدولة، والعمل على زيادة نسبة إسهام الصناعات الثقافية والإبداعية لتصل إلى 5% من إجمالي الناتج المحلي.

وفي هذا الإطار، صرّح طارق عبدالله، المدير العام الإقليمي في «تيك توك» الشرق الأوسط وإفريقيا وتركيا وباكستان وجنوب آسيا، بأن الإمارات مركز عالمي رائد للاقتصاد الإبداعي؛ بفضل التسهيلات الحكومية الكبيرة التي أطلقتها الحكومة الحكيمة لجذب المبدعين، إضافةً إلى تنوّع الثقافات والجنسيات، وارتفاع نسبة الشباب، وتمكّن شريحة كبيرة من السكان من استخدام التكنولوجيا.

وأضاف أن «الاقتصاد الإبداعي يشهد نموًّا كبيرًا في الإمارات؛ بفضل ارتفاع انتشار التقنية، وارتفاع نسبة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لدى الشباب، الذين يُشَكّلون بدورهم النسبة الأكبر من سكان الدولة. كما أصبحت شرائح كبيرة من الناس تُدرك أنها قادرة على المشاركة في الاقتصاد الإبداعي، عبر مناقشة قضايا مهمة مثل التغيّر المناخي والصحة الذهنية وغيرها».

إن المشكلات الاقتصادية المتعددة والمعقدة، وما يصاحبها من قلّة، بل وشُحّ في الموارد، لهو خير دافع إلى الخروج بحلول اقتصادية إبداعية لتحقيق التنمية في شتى دول العالم؛ مع تطبيق ما تم تعلُّمه؛ لأنها الطريق الأفضل لتطوير الكفاءات، وتوسيع النشاطات ودمج الأفراد. 

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية