أصبحت حوادث غرق اللاجئين القادمين من بلدان الشرق الأوسط وأفريقيا، من بين أبرز الحوادث التي تتكرر من فترة لأخرى، إلى حد اعتياد النخبة والجمهور ووسائل الإعلام على أخبار تلك الحوادث المؤسفة، والتي يجري القفز عليها من دون تأمل خلفياتها ومَن يتحمل المسؤولية المباشرة تجاه الحد منها ووقف مآسيها، حتى أصبحت موضوعاً للعديد من الأفلام الوثائقية والقصص الإخبارية التي تتناول مآسي اللاجئين ببرود وكأنهم يزحفون باتجاه أوروبا من كوكب آخر.

وإن شئنا الإنصاف وبالنظر إلى ما استوعبته بلدان اللجوء من أعداد ضخمة، لا بد من دق ناقوس الخطر والحد من الأسباب التي تدفع أولئك البشر إلى التضحية بأرواحهم وسلوك طرق خطرة للهجرة، تؤدي باستمرار إلى وقوع حوادث الغرق التي يذهب ضحيتَها رجالٌ ونساء وأطفال أبرياء، لا يتورع المهرِّبون وسماسرة الاتجار بالبشر عن التعامل معهم باعتبارهم مجردَ أرقام ومبالغ مالية.

ورغم ما تعيشه أوروبا من أزمات وتحديات اقتصادية متزايدة في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على أزمة الطاقة التي تضاف إلى أسباب أخرى تقود القارة الأوروبية نحو الانكماش الاقتصادي، فإن البعض يعتقد أن على أوروبا أن تبقى وجهةً مفتوحةً لاستقبال اللاجئين، دون أن يكلف نفسَه عناء البحث عن جذور أسباب اللجوء.

عندما نتابع حوادث غرق اللاجئين ونطلع على قوائم جنسيات الضحايا، نكتشف أننا أمام دليل واضح على عجز وفشل البلدان المصدِّرة للاجئين التي لم تتمكن من تحقيق الاستقرار لشعوبها ولم تتخلص من الفساد والفقر والفوضى.. أي الأسباب المؤدية إلى تسابق مواطنيها على صعود قوارب الموت المتهالكة التي تقذف بهم في المياه قبل أن توصلهم إلى الشواطئ التي كانوا يحلمون بها.

وأمام هذه القضية الإنسانية يفترض أن يتجاوز الخبراء والمحللون التوقفَ عند اتهام دول أوروبا بالقسوة في التعامل مع أفواج اللاجئين التي لا تتوقف، لأن الاكتفاء بتحميل الأوروبيين مسؤوليةَ التهرب من استقبال المزيد من اللاجئين لن يوقف حوادث الغرق ولن يمنع مَن يفكرون في اللجوء من خوض المغامرات الخطرة التي قتلت بعض من سبقوهم.

وبمتابعة سريعة لأحدث الاتهامات حول هذا الملف، نجد أن تركيا تتبادل الجدل مع اليونان وتنفي دورها في تهريب اللاجئين عبر حدودها في ظل ظروف سيئة، وقد بدأ الجانبان استخدام الصور المؤثرة والمأساوية التي تُظهِر معاناة اللاجئين.

وفي النهاية لن يجدي تبادل الاتهامات أحداً ولن يوقف نزيفَ الأرواح التي تتساقط غرقاً وهي تحلم بالخلاص من ضيق أوجُه العيش في بلدانها التي لم توفر لها سبلَ الحياة الكريمة والآمنة.

وسنرى أن ملف اللاجئين كان ملفاً قديماً، ولطالما هددت السلطات الليبية في عهد القذافي باستخدامه والسماح لقوافل المهاجرين باتخاذ الشواطئ الليبية محطات للانطلاق نحو أوروبا.

وللأسف هذا ما يحدث حالياً بالفعل، حيث أدى عدم استقرار الأوضاع في ليبيا حتى اليوم إلى تحول شواطئها إلى معبر للاجئين. ولعله من الحكمة أن تفكر مختلف الأطراف، بما فيها أوروبا والولايات المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بقضايا اللاجئين، في البحث عن حلول جذرية لهذه الظاهرة التي تدفع بالعديد من البشر إلى التخلي عن أوطانهم وعن البيئة التي ولدوا فيها وتربوا على ثقافتها ولغتها، ليهربوا نحو بلدان أخرى بحثاً عن العيش والأمان.

وتبقى كلمة السر وراء كل ما يحدث على صلة وطيدة ببلدان اللاجئين أنفسهم، وبما تعانيه من ظروف طاردة، لولا قسوتها لما فكر الشباب وأرباب العائلات باصطحاب أطفالهم إلى عرض المحيطات والبحار في رحلات يعلمون جيداً أنها غير آمنة، بل تعرِّضهم لخطر مؤكد. وتبقى الكرة في مرمى منبع الإشكالية، أي البلدان المصدِّرة للاجئين.