عادة ما يعتبر الاحتفال باليوم الوطني للدول مناسبة لتعداد الإنجازات والتقدم الذي أُحرز خلال عام ومراجعة بعض القضايا، بما فيها التنموية، للتحضير لسنة جديدة يتم خلالها تحديد التوجهات والمشاريع التي يمكن أن تضيف لبنات جديدة للبناء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وبالأخص في الوقت الحاضر الذي تتسارع فيه التغيرات وتتاح الكثير من الفرص التنموية بفضل التقدم التقني المعتمد أساساً على الموارد البشرية المؤهلة تأهيلا عالياً.

الديباجة السابقة لا تنطبق بالتأكيد على الدول كافة، وهي تخص أساساً الدول الناجحة إدارياً واقتصادياً ومجتمعياً، إذ أن هناك العديد من البلدان التي ينطبق عليها القول «مكانك سر» وتلك الفاشلة التي ينطبق عليها القول «للخلف در».

نحتفل غداً بعيد الاتحاد لدولة اتحادية ناجحة قدّمت على مدى خمسين عاماً نموذجاً تنموياً أضحى حديثَ العالَم بفضل الإرادة القوية والإدارة الاقتصادية الناجحة والتي أرساها منذ البداية مؤسس الاتحاد وإخوانه حكام الإمارات والتي أصبحت نهجاً تنموياً مميزاً تم تطويره وفق المتغيرات، إذ يمكن التنويه هنا إلى الأدوار شديدة الأهمية التي أدتها الدولة الاتحادية والتي وفرت مقومات تنموية أساسية لم يكم بالإمكان توفرها محلياً بالقوة والسرعة نفسهما، وهذا درس مهم للدول الأخرى التي تقل فيها المقومات اللازمة للتنمية الشاملة والمستدامة.

وبالإضافة إلى الإنجازات السابقة، والتي تم الحديث عنها، وبالأخص في الذكرى الخمسين لقيام الاتحاد، فإن عام 2022 شهد تغيرات ووضعَ أسساً جديدة لتحقيق المزيد من التقدم المرتبط بالتغيرات التي تجتاح العالَم، إذ يعتبر هذا الارتباط ومحاولة مجاراته أحد أهم ميزات المسيرة التنموية للإمارات، وهو ما أدى إلى تحقيق معدلات نمو مرتفعة، إذ ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 بنسبة 3.8% ليصل إلى 1489 مليار درهم، وذلك بعد أن تجاوزت الدولةُ بسرعة قياسية تداعيات جائحة «كوفيد-19»، كما تكمن الإشارة إلى بعض الأمثلة التي تدعم هذا الاستنتاج، ففي مجال حيوي مثل مجال الطاقة، صدّرت أبوظبي خلال شهر أكتوبر الماضي أول شحنة من الهيدروجين إلى ألمانيا.

وكما هو معروف، فإن الهيدروجين بشقيه الأخضر والأزرق يعتبر أحد أهم مصادر الطاقة النظيفة المستقبلية، حيث وضعت دولة الإمارات برنامجاً متكاملاً لتطوير طاقة الهيدروجين والذي يتوقع أن يشكل أحد أهم صادرات الدولة في المستقبل القريب، إذ يعد هذا التوجه مجارياً للتطورات النوعية التي يشهدها قطاع الطاقة العالمي، ويتيح وضع أسس مستدامة لفترة ما بعد النفط.

ونظراً لكون الإمارات مركزاً تجارياً ومالياً عالمياً، فقد سعت الدولة خلال هذا العام إلى تعزيز دورها في قطاع التجارة والنقل من خلال توقيع العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، والتي ستتيح تعزيز مركزها التجاري واللوجستي وتوفر للبلدان الأخرى فرصاً تجارية ومالية بفضل ما تتمتع به الدولة من تسهيلات كبيرة وخدمات نوعية راقية. وفي مجال التعليم والاهتمام بالموارد البشرية، تم افتتاح المزيد من الجامعات والكليات المهنية المتخصصة، مع التركيز على المعاهد ذات التطبيقات التقنية والتي تستجيب لطبيعة المتطلبات التنموية من الطاقات والأيدي العاملة عالية التأهيل.

أما البنى الأساسية، والتي برزت كأحد الخصائص المهمة لنموذج التنمية الإماراتي، والتي لعبت فيها الحكومة الاتحادية دوراً محورياً إلى جانب مشاريع البنى التحتية لكل إمارة، فقد دعمت هذه البنيةُ بشقيها الصلب والناعم عمليةَ التحول الاقتصادي والاجتماعي من خلال تنفيذ مشاريع جديدة وتوجيه اهتمام خاص للبنية التقنية وما يرتبط بها من مؤسسات ومعاهد متخصصة، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي ووسائل الاتصالات الحديثة.

والحال أنه يمكن تعداد قضايا أخرى ضمن توجهات ومشاريع عام 2022 في مجالات النقل والسياحة والخدمات الطبية والطاقة المتجددة والتنمية البشرية.. حيث حفل هذا العام بالعديد من التغيرات ضمن رؤية الإمارات ومبادئ الخمسين لعام 2071 والتي ستعزز مكانةَ الدولة ونموذجَها التنموي لتتحول إلى دولة متقدمة تساير التطورات البنيوية الاقتصادية والتقنية الحديثة.

*خبير ومستشار اقتصادي