على مدى ثلاث سنوات، وخلافاً لكثير من البلدان الأخرى في العالم، لم تعلن الصين عن نجاح قوانينها الصارمة بخصوص عزل الحالات المصابة بفيروس «كوفيد-19». ومن خلال فرض إجراءات إغلاق صحي طويل في العديد من المناطق الصينية، انخفضت على نحو لافت الأعداد المعلَنة للأشخاص الذين يصابون بكوفيد ويموتون بسببه في الصين، مقارنةً مع كل من الولايات المتحدة الأميركية والهند والبرازيل وبريطانيا وبلدان الاتحاد الأوروبي ككل. ولم تكن السياسة الصينية الخاصة بالتصدي لكوفيد تتمثّل في إبطاء انتشار الفيروس فحسب، وإنما هدفت أيضاً إلى القضاء عليه بشكل كامل في جميع أنحاء البلاد.
وقد بدا أن هذه السياسة الصحية الصارمة ناجحة وفعالة، ولم تستورد الصين اللقاحات عالية الفعالية التي طُورت في بلدان أخرى، واعتمدت بدلاً من ذلك على لقاحاتها الخاصة المصنعة محلياً. وفي أواخر عام 2021، ظهر في عدة دول من العالم متحور «أوميكرون»، الأسرع والأوسع انتشاراً، فتفشى بشكل سريع ليصل إلى الصين نفسها في نهاية المطاف. ورداًّ على ذلك التطور الصحي غير المتوقع، قامت الصين بفرض إغلاقات في بعض المناطق والمدن الكبيرة، بما في ذلك شنغهاي على سبيل المثال، في الوقت الذي بدأت فيه بقية دول العالم تتعلّم التعايش مع كوفيد والتعود على عدد أقل وأكثر مرونة من سياسات الإغلاق الصارمة التي اتبعتها بعض الدول في بداية زمن الجائحة. 
وعلى مدى شهور العام الماضي كلها تقريباً، عانت قطاعات الاقتصاد الصيني من اضطرابات ملحوظة بسبب إجراءات الإغلاق الصحي التي أثرت على هذه القطاعات. غير أنه في شهر أكتوبر الماضي، وخلال مؤتمر الحزب الشيوعي الذي صوّت لصالح إلغاء القيود المفروضة عدد المأموريات الرئاسية (مأموريتان اثنتان فقط في النص الدستوري المعدَّل)، لم تكن هناك مؤشرات على نية في تخفيف سياسة «صفر كوفيد» قريباً. ومنذ ذلك الحين، دأبت الصحافة الغربية على الحديث عن مظاهر امتعاض بين الصينيين من الإغلاقات الصحية المفروضة بغية مكافحة كورونا. وهي مظاهر تعد غير مألوفة في الصين، خاصةً منذ عام 1989، وإن كان يتم توثيقها بالفيديو في وقتنا الحالي وكثيراً ما تم نشرها على وسائل الإعلام العالمية المتربصة بالصين. 

وقد تابع الصينيون أخبارَ كأس العالَم المقامة في قطر حالياً، وشاهدوا صور آلاف الزوار القادمين بدون كمامات، وهم يختلطون في الشوارع وفي الملاعب الرياضية، مما أظهر للجميع أن العالَم أخذ يعود إلى نوع من الحياة الطبيعية يكاد يكون غير خاضع لأي من القيود التي فرضتها جائحة كوفيد سابقاً. 

وقد سبق للصين أن أعلنت أن نظامها السياسي، القائم على صيغة الحزب الوحيد، أكثر كفاءةً وفعاليةً من الفوضى والاضطرابات التي تظهر في المجتمعات الديمقراطية التي تسمح بحرية التعبير والحريات الشخصية وبوجود الأحزاب السياسية المعارضة.. بدون ضوابط وبلا قيود. 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونل إنترست»- واشنطن