في الثاني من ديسمبر من كل عام، يكون شعب دولة الإمارات العربية المتحدة على موعد مع عيد الاتحاد، وفي هذا العام تكون دولة الإمارات قد تخطّت الحادي والخمسين من عمرها المديد كدولة اتحادية ذات تجربة رائدة وفريدة على مستوى العالم العربي مستندة على أسس وطنية - فكرية خاصة بقيادة الدولة المستنيرة وشعبها الوفي.
هذه التجربة ذاتية وموضوعية وراسخة مستمدة من إرث دولة الإمارات التاريخي وثقافتها الوطنية وتجاربها الخاصة، وبذلك فقد أصبحت التجربة الاتحادية للإمارات موقفاً أخلاقياً ووجدانياً وحالة ذهنية رشيدة تعود شعب الإمارات على إيلائها أهمية قصوى مع وجود حكومة اتحادية مركزية كآلية تعمل على تنفيذ الرؤى التي تخطها القيادة العليا للبلاد، وذلك من منطلق الرغبة في توفير البيئة المثالية والمناخ الملائم لجعل قضايا الوطن والمواطن سهلة التحقيق وميسورة الإنجاز من قبل الحكومة الاتحادية وأجهزتها المتخصصة.
دولة الإمارات في هذه المرحلة وفي عيد الاتحاد الحادي والخمسين تخطت حاجز البحث عن وسائل لبناء بنيتها التحتية، فهذه البنية أصبحت الآن شبه مكتملة من حيث المباني والطرق والموانئ والمطارات ومصادر الطاقة والمدارس والمستشفيات والمباني الحكومية ومساكن المواطنين، وما إلى ذلك من أمور ما زالت العديد من شعوب الأرض تبحث عن مداخل أولية إليها.
بالنسبة لدولة الإمارات، صارت هذه الأمور شيئاً من الماضي، لأنها أصبحت قائمة بالفعل على أرض الواقع ولا يوجد فرد من القيادة الرشيدة أو أبناء الشعب يحمل همها وما تبقى هو مجرد رتوش تكميلية أو تحميلية، فأسس البنية التحتية لدولة الرفاه اكتملت، وما تبقى هو المحافظة عليها والعض عليها بالنواجذ وصيانتها، لكي تدوم وتستديم خدمة للأجيال الجالية والقادمة، فكثير من شعوب الأرض ما زالت تحلم حتى الآن بالبدء في تأسيس بنى أوطانها التحتية.
وعليه، فإن دولة الإمارات وقيادتها وشعبها وقد تخطوا حاجز الخمسين الأولى من عمر اتحادهم المجيد ويسيرون في الخمسين الثانية منه يبحثون عن كل ما هو جديد في عالم التنمية الشاملة المستدامة، وهذه عملية شاقة وصعبة أدخلتهم في تحدٍّ مع أنفسهم ومع العالم الخارجي الذي يعيشون في وسطه.
دولة الإمارات وقيادتها وشعبها يعلمون جيداً وهم مستوعبون تماماً بأنهم يعيشون في بيئة عالمية منقسمة على نفسها انقساماً حاداً بين أمم متقدمة أمسكت بأسباب العلم والصناعة والاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المتقدمة، وأمم أخرى متخلفة ما زالت شعوبها تلهث جرياً وراء لقمة العيش وسد الرمق. والحقيقة التي باتت أزلية هي أن رخاء ورفاهية الشعوب في العالم الصناعي أو المتقدم أو سمّه ما شئت، قائم، وتكمن استمراريته في بقاء الشعوب المتخلفة في قعر تخلفها، وعدم قدرتها على اللحاق بأطراف التنمية.
لذلك، فإن ما تسعى إليه دولة الإمارات وما استطاعت حتى الآن تحقيق جوانب كثيرة منه هو كسر هذه الحالة غير السوية، وتحقيق التنمية والرفاه لشعبها ووطنها، ومساعدة بقية شعوب الأرض الأخرى على النهوض من كبوتها واللحاق بركب التنمية العالمي.
هذه المنطلقات الفكرية الراسخة التي تتبناها دولة الإمارات منذ نشأتها وما زالت تعمل على تحقيقها، وهي في الحادي والخمسين من عمرها هي التي تحدد آفاق التطور الاقتصادي والتنموي والاجتماعي والسياسي لهذه الدولة الرائدة في عالم اليوم باتجاه تعزيز البنى الوطنية في الداخل والمركز المرموق بين أمم الأرض في الخارج.
دولة الإمارات استطاعت تحقيق العديد من رؤاها الفكرية في خدمة البشرية جمعاء ومساعدة كافة شعوب الأرض على تحقيق التنمية منطلقة في مراحل متدرجة من تعزيز التعاون الخليجي أولاً، ثم الانتقال إلى تعضيد التضامن العربي وخدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية، ثم بعد ذلك خدمة البشرية جمعاء، من خلال قيم إنسانية راسخة تنطلق من أصالة شعب دولة الإمارات العربي الأبي.
في ذكرى عيد الاتحاد المجيد، نهنئ ونبارك لأنفسنا هذا المجد، وهذه الرفعة التي استطاعت بلادنا تحقيقها في زمن قياسي قصير لم تسبقها إليه أي شعوب وأمم الأرض الأخرى، فعمار يا الإمارات وبوركتِ وقيادتك وشعبك.
* كاتب إماراتي