كثيرةُ هي الإنجازات التي حقَّقتها دولة الإمارات. أنجزت في نصف قرنٍ فقط أكثر مما استطاعت بعض الدول الأخرى تحقيقه في قرون عدة. دخلت الدولة قبل أيام قليلة عامها الثاني والخمسين بخطى ثابتة.

تواصل البناء على ما أنجزته، وجعلها دولة متفوقة في مختلف المجالات. فالتفوق يكون شاملاً، أو لا يكون. لا يُستخدم مفهوم الدولة المتفوقة كثيراً، ربما لندرة ما ينطبق عليه، أو اكتفاءً بالتمييز الشائع بين دول ناجحة وأخرى هشة وفاشلة.

وحتى مفهوم الدولة الناجحة لم يحظَ باهتمام كاف في الأدبيات السياسية. ويُستسهل في كثير من الأحيان اعتبار الدولة ناجحة ما دامت لا تُعد هشة أو فاشلة، برغم الاختلاف في الأدبيات على المعايير المُحددة لهشاشة الدول وفشلها. ولكن مادام هناك نجاح وفشل، وطالما أنه توجد مستويات لكل منهما، فمن المنطقي أن يكون التفوق هو المستوى الأعلى في النجاح.

فالدولة المتفوقة، إذن، هي التي تُحقَّق أعلى درجات النجاح. وعندما نتأمل مسيرة دولة الإمارات، نجد أنها ذهبت إلى أبعد مدى بالفعل في الإنجازات التي جعلتها في مقدمة الدول الناجحة، فانتقلت من النجاح إلى التفوق بناءً على معايير موضوعية أهمها خمسة: المعيار الأول هو الاستقرار السياسي والاجتماعي القائم على شرعية راسخة، وعلاقة نادرة بين مؤسسات الدولة والشعب وقد اندمجا على نحو يبدو معه كأن مفهوم الدولة في حالة الإمارات اختُصر إلى ركنين بدل ثلاثة، بعد أن باتت السلطة والشعب ركناً واحداً، وأصبح الإقليم أو الأرض الركن الثاني وليس الثالث.

فالشرعية، التي تُوَّفر استقراراً سياسياً واجتماعياً تكون راسخةً بمقدار ما تتفانى سلطة الدولة ومؤسساتها في خدمة شعبها، ويزداد شعور مواطنيها جميعهم بالانتماء الوطني. وتُعد التنمية المستدامة المعيار الثاني للتفوق.

وهذه التنمية في دولة الإمارات ليست مجرد عنوان، بل خطط مُحدَّدة تُنفَّذ ويُبنى كل منها على ما سبقه، لتحقيق أهدافها الأساسية. وفي مقدمتها تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل والمعتمد على الصناعة والابتكار، وتوفير مستلزمات الصحة الجسدية والنفسية الجيدة، ومقومات التعليم الشامل والعادل والمتطور باستمرار، وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء، وإيجاد خدمات الطاقة النظيفة والمستدامة، وتطوير العمل لمواجهة تغير المناخ وآثاره، وغيرها. أما المعيار الثالث للتفوق فهو التكامل الاجتماعي بمعنى أوسع من المقصود به في أدبيات بناء الدولة، وتجارب البلدان المختلفة، لأن شعب الإمارات متجانس ومتكامل.

ولهذا تُقدّم دولة الإمارات نموذجاً جديداً في التكامل بين المقيمين المنتمين إلى أكثر من مائة دولة وجنسية، وبينهم وبين المواطنين، على نحو لا نجد له مثيلاً في عالم اليوم. ويعتبر التقدم العلمي والتكنولوجي معياراً رابعاً لتفوق دولة الإمارات، انطلاقاً من سياسات مدروسة لحوكمة البحث والتطوير في مجالات عدة، من بناء الاقتصاد المعرفي إلى ارتياد القضاء.

وأخيراً، وليس آخراً، يأتي معيار الدور الريادي إقليمياً ودولياً، إذ تتميز دولة الإمارات برسالتها الإنسانية العامة رسالة التسامح والمحبة والسلام والإخوة الإنسانية. وهكذا يكون التفوق، ويُصنع التاريخ بعقولٍ وأيدٍ عربية. فتحية لدولة الإمارات في عيدها الوطني الحادي والخمسين.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.