يقول روبرت جرين في كتابه «قواعد السطوة»، لا شيء يرهب الناس أكثر من الأمور المباغتة وغير المتوقعة، وأنا أتفق معه. فعلى سبيل المثال الأعاصير والزلازل تجعلنا نفزع لأننا لا نعلم متى تعصف بنا، وإنْ ضربنا أحدها نظل نتوقع في فزع حدوث آخر، ويؤثر فينا السلوك الإنساني غير المتوقع بالطريقة نفسها، لكن بدرجة أقل. يذكر «جرين» بأن الحيوانات تتصرف بطرق ثابتة، ولذلك يسهل علينا توقع تصرفاتها واصطيادها.
الإنسان هو الكائن الوحيد القادر على أن يغير أنساق سلوكه ويحسنها بإرادته، وعلى أن يتغلب على ضغط العادات والروتين، إلا أن القليلين من الناس يدركون، كما يقول روبرت جرين، قيمة هذه القدرة ويفضل الكثيرون راحة الروتين ويستسلمون لطبيعتهم الحيوانية، التي تجبرهم على تكرار أفعالهم القهرية دون تغيير، لأن ذلك لا يتطلب منهم جهداً، ولأنهم يظنون خطأ أنهم إنْ لم يزعجوا أحداً فسوف يتركهم الآخرون في حالهم.
في القاعدة السابعة عشرة التي جاءت تحت عنوان عنوان «ارهب الآخرين بالمفاجأة وكسر التوقع»، إن أسوأ العلاقات التي نعيشها هي تلك التي يتبرع فيها أحدهم ليقول لك ببرود قاتل وسذاجة تفتقر إلى التكتيك مع عدم وعي لحديث الناطق «أنا أعرفك أكثر من نفسك»، أنا لا أريدك أن تعرفني أكثر مما أعرف نفسي، فنحن لسنا في سباق، وإنما أريدك أن تكون مختلفاً ومتميزاً أكثر مني، فما المكسب إن كنت تعرف كل عيوبي وكل المفاجآت التي أقوم بها من أجلك!
حاول دائماً أن تغير من أنماط شخصيتك في كل مرة يحدث فيها اختلاف بينك وبين الآخرين، فالبعض على استعداد كامل لاستغلال مشاعرك الطيبة، وانفتاحك الواسع، وفهم تفسير مقاصدك على هواهم، لكونك شديد الوضوح أمامهم.
في لعبة كرة القدم أو سباق الشطرنج، على سبيل المثال، يعتمد المدربون على النجاح في فهم نمطية الخصم المقابل من خلال معرفته بألفة أفعال من حوله، كون ذلك يهبه الإحساس بالسيطرة والتحكم! 
الجنرال ستونوول جاكسون أثناء الحرب الأميركية عام 1862 كان يمتلك 4600 من الجنود، قد قال بصوت مسموع ليعزز الثقة بداخل جنوده :«اربك عدوك وفجأة ضلله على قدر ما تستطيع... فهذه التكتيكات تفوز في كل مرة، وباستخدام هذه الطريقة يمكن لجيش صغير أن يدمر جيشاً كبيراً». لا تنطبق هذه القاعدة على الحرب فقط، بل حتى على شؤون الحياة اليومية. المذهل في ذلك أن تحركات جاكسون لم تكن مبررة، حيث كان جنرالات الاتحاد يبطئون زحفهم نحو ريشموند حتى يتبينوا ما الذي كان جاكسون مقدماً عليه، لذا لابد أن أقول لك، لا تجعلك صورتك واضحة أمام الآخرين، عليك أن تبدل خططك على الدوام، وأن تخالف التوقعات التي اعتاد عليها خصمك. 
قال بابلو بيكاسو ذات مرة: «إن أفضل الحسابات هي أن لا تحسب». فبعد أن تحقق مستوى معيناً من الشهرة والتقدير يتوقع الناس أن كل ما تفعله مخطط وينم عن الذكاء، حينه يصبح من الغباء أن تخطط لخطواتك قدماً بدقة مفرطة والأفضل لك أن تتصرف بوحي اللحظة. 
ذكر روبرت جرين ما حدث في عام 1947 حينما أُعدت الحلبة للمنافسة ما بين محمد على كلاي وجورج فورمان في بطولة الوزن الثقيل. فيرمان كان قد قرر أن يفوز بالضربة القاضية، بينما خطة «كلاي» هي أن يظل يتراقص حول الحلبة حتى يجهد خصمه، كان ذلك نسق كلاي في القتال الذي لم يغيره طول عشرة أعوام، لكن استمراره على هذا النسق كان سيمنحه التفوق على «فورمان». ويا للدهشة في المؤتمر الصحفي أخبر «كلاي» الصحفيين والإعلاميين بأنه سيغير أسلوبه، ويضرب «فورمان» بالضربة القاضية. «فورمان» لم يصدق «كلاي»، وظن أنه سيظل يتراقص على الحلبة كعادته، لكن «كلاي» لَكَم «فورمان» لكمات قوية أوقعته على الأرض. 

* كاتبة وروائية سعودية